تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

]."

وتصوير امرأة أبى لهب وهي تسحب من جيدها بحبل من مسد حيث جاء في معني الجيد في كتاب الصحاح في اللغة " أنه العُنقُ؛ والجمع أَجْيادُ. والجَيَد بالتحريك: طول العُنُق وحُسْنُه "

أي من عنقها الذي افتخرت به لتلبس الحلي الثمينة وتزين به نفسها بأجمل القلائد والزينة التي تتكبر بها على نساء قريش وغيرها من نساء القبائل، مفتخرة بمكانتها ومكان زوجها وكثرة ماله وعزه ومعتقده أن ذلك المال من صنع زوجها وحنكته وذكاء أبنائه، ولعلها كانت تعتز بين نسائها بمكانتها عند زوجها فتظهر تلك القلائد والزينة أمامهن لتظهر مدى إعجابه وحبه لها ونسيت أن لولا وجود الله ما رأت تلك القلائد ولا تنعمت بتلك الزينة ولكنه الله كامل الربوبية الذي لا يمنع عطاءه عن الكافرين فهو المتكفل بكل ما خلق وتعهد بإعطائهم وإمدادهم بالرزق فزيادة العطاء من الله للإنسان لا يدل أن العبد من المقربين المفضلين عند الله دائما بل لعل ذلك للابتلاء والفتنه والإمهال لهم وعدم الإهمال وستأتي اللحظة التي يأخذ الله ما أعطى ويجعل الحسرة والندامة تلقى على قلوبهم، أما أهل الإيمان فهم من يناقضون اعتقاد أهل الكفر فلا يرزقون بشي إلا انطلقت قلوبهم وألسنتهم بالشكر والحمد لله وما نسبوه إلا إليه فيزيدهم ذلك من كرمه وفضله، فهذه المرأة المتكبرة المعاندة سيلف على عنقها ذلك الحبل المتين شديد القسوة والقوة لتسحب به إلى نار جهنم كما كانت تلف عنقها لتزينه بكبرها، فالآن ستنقاد ذليلة بأعز ما افتخرت به لتلقى مصيرها وقد علمت أن الحبل الذي اعتقدت أنه حبل نجاتها وعزها هو حبل هش ضعيف بل هو سبب هلاكها وهلاك زوجها وأن حبل الله المتين هو من سيبقى ولا يستطيع أن يقطعه شيء في الوجود ما دامت السموات والأرض.

يقول ابن عاشور في تفسيره حول " {في جيدها} للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة التي عوضت فيها بحبل في جيدها عن العقد الذي كانت تحلي به جيدها في الدنيا فتربط به إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء، وقد ماتت أم جميل على الشرك "

إن الشدة والقسوة التي اتصفت بها شخصية أبا لهب وامرأته وخشونة تصرفاتهما وانتزاع مشاعر الرحمة واللين من قلوبهما، كان ذلك سبب لمجيء الجزاء والوصف لهما من جنس العمل حيث الشدة في العقوبة والغلظه والقسوة في الوصف لهما، كما أن هذه الصورة جعلت منهما نموذجا لمن يصر على الكفر والظلم والعدوان على دعوة دين الله وليكونا المثل الذي يضرب للناس إلى قيام الساعة، إنزال الله قرآن يتلى عنهما ليحذر كل من يفكر في إتباع سنتهما أن سيكون له نفس المصير والوعيد عند الله.

إنها سورة تصيب الجسد بالارتجاف والارتعاش عند التمعن في مشاهدها وأحداثها، وعند تدبر أفعال وخصائص من ُأنزلت بهم ولما هم بالذات اختارهم الله لهذا الذل وتلك المهانة، سورة ترى فيها مشاهد من أهوال يوم القيامة والعذاب الذي سيقع فيها على رؤوس الكافرين، فيجعل القلب يتقي الله ويبتعد عن كل ما يأتي بالشبهة أو الشك باليقين حول وجود الله وتوحيده ويسعى لنصرة هذا الدين ورفع رايته.

أهم الفوائد التربوية من هذه السورة:

- عدم التعلق بزينة الدنيا والانقطاع عن زينة الآخرة.

- عدم الاعتماد على القوة المادية من المال والولد والنسب والحسب فكل ذلك لا يغني عند الله شيئا.

- شدة القسوة تمنع القلب عن رؤية الحق وإنارة بصيرته.

- الخبيثين للخبيثات والطيبون للطيبات.

- لا ينفع الإنسان حسبه ولا نسبه ولا قرابته بل لا ينفع عند الله إلا الإيمان والعمل الصالح.

- المسارعة للاستمساك بحبل الله المتين الذي يبقى ثابتا وقويا ويسحب بصاحبه إلى الفوز والنجاة.

- المرأة المؤمنة الصالحة من تعين زوجها على اتباع الحق وتأخذ بيده وتعينه عن الفرار من الباطل.

- الأم من ترحم بيتها وأسرتها فتدلهم على الخير أينما كان.

آمال ابراهيم أبو خديجة

2010

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير