تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووَصفها بحمالة الحطب هذا الوصف العجيب المتناقض مع مقامها وعلو مركزها الدنيوي واعتزازها بحسبها ونسبها لا يدل إلا على شنيع ما كانت تصنعه من أفعال وأقوال تحارب بها دين الله، فاستحقت ذلك الوصف الهابط لحال صورتها وهي تحمل الحطب على ظهرها المنحني لثقل ما تحمله وكثرة التنقل بين الأماكن للبحث عنه، فأحكمت شده بالحبل المتين خوفا من فقدانه وسقوطه بعد شدة العناء في جمعه لإيقاد نيران من اللهب لقضاء منافعها الدنيوية، فهذه المرأة أعلنتها مع زوجها حربا لا هوادة فيها ولا رحمة ضد الإسلام فكانت تطوف على البيوت وفي الطرقات لتؤيد كلام زوجها وتزيد مما عندها من الكذب والبهتان حول رسول الله ودعوته، كما أنها كانت تتحرى الفرص في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال أهله لتؤذيه في بناته وتلحق به أذى نفسيا ليشغل قلبه صلى الله عليه وسلم بالهم والحزن، فهذا الحطب الذي جمعته هو رمز للذنوب والآثام التي ارتكبتها بحق رسول الله ودعوة الحق حتى أصبحت حملا ثقيلا فوق ظهرها ليكون وزرا عظيما عليها، وهو الحطب الذي جعلته موقدا لها ولزوجها عندما كانت تقنعه وتدفعه لزيادة قسوته على ابن أخيه والمسارعة في الدفاع عن باطلهم وجاهليتهم ومحاربة دين الله،

يقول ابن عاشور حول وصفها بحمالة الحطب " فلما حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جُعل لامرأته وعيد مقتبَس لفظُه من فِعلها وهو حَمْل الحطب في الدنيا، فأُنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقَد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها ".

فهل انتفعت امرأته بما اعتقدت أنه الخلود لها والرفعه لمكانتها كما توهم زوجها بما اكتسبه من المال والولد، هذا المال الذي جمعه من خلال مساندة ومناصرة الباطل والخوف على خسارة تجارته أو نقصانها إن اتبعوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ولو علموا أن ما جاء به عليه الصلاة والسلام سيزيد مما عندهم من المال والولد لكانت بركة من الله ستحل عليه، ولو سارعوا للدخول في دين الله لحققوا الربح العظيم لتجارتهم في الدنيا والآخرة، ولكنها النفوس المريضة التي لا تنظر ولا ترى إلا بمنظار الدنيا القصير الممتد بحبل الشهوات والهوى فصدهم عن السبيل، كما أنهم سارعوا لمناصرة أعداء الله وأعداء رسوله وهم من عشيرته وقرابته صلى الله عليه وسلم، حيث أُشتهر في زمانهم ومجتمعاتهم النصرة للعصبية والقبلية والاتحاد معا ضد العدو مهما كانت أسباب الخلاف بينهما، لكن كان بيت أبى لهب أول السَبّاقين للعدوان والمحاربة للرسول صلى الله عليه وسلم، مما كان فيه زيادة في الإيذاء والقسوة على نفس رسول الله وعدم التمهيد لنجاح دعوته، لقد انتفضت أسرة أبى لهب ضد محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته ولم يخرج منهم رجل رشيد يصدهم عن الاستمرار في غيهم وعدوانهم، ولعل أبى لهب وامرأته سيحملان أوزار أبناءهم لدفعهم إياهم على إتباع خطوات الضلال رغم أنهم كانوا قادرين على التمييز والاختيار ولكنها النفوس الموحده على الخبث لا تخرج منها نوازع الإيمان الصادق بل التفت حول نفسها بخبثها فأهلكوا أنفسهم بأيديهم.

جاء في تفسير الرازي حول حمالة الحطب

" كونها حمالة الحطب وجوهاً: أحدها: أنها كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله، فإن قيل: إنها كانت من بيت العز فكيف يقال: إنها حمالة الحطب؟ قلنا: لعلها كانت مع كثرة مالها خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب، لأجل أن تلقيه في طريق رسول الله وثانيها: أنها كانت تمشي بالنميمة يقال: للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة، ويقال للمكثار: هو حاطب ليل وثالثها: قول قتادة: أنها كانت تعير رسول الله بالفقر، فعيرت بأنها كانت تحتطب والرابع: قول أبي مسلم وسعيد بن جبير: أن المراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول، لأنه كالحطب في تصيرها إلى النار، ونظيره أنه تعالى شبه فاعل الإثم بمن يمشي وعلى ظهره حمل، قال تعالى: {فَقَدِ احتملوا بهتانا وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58] وقال تعالى: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31] وقال تعالى: {وَحَمَلَهَا الإنسان} [الأحزاب: 72

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير