تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال شيخ الإسلام: ((أول ذنب عصي الله به كان من أبي الجن وأبي الإنس أبوي الثقلين المأمورين وكان ذنب أبي الجن أكبر وأسبق وهو ترك المأمور به وهو السجود إباء واستكبارا وذنب أبي الإنس كان ذنبا صغيرا ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} وهو إنما فعل المنهي عنه وهو الأكل من الشجرة؛ وإن كان كثير من الناس المتكلمين في العلم يزعم أن هذا ليس بذنب؛ وأن آدم تأول حيث نهي عن الجنس بقوله: ((ولا تقربا هذه الشجرة} فظن أنه الشخص فأخطأ؛ أو نسي والمخطئ والناسي ليسا مذنبين. وهذا القول يقوله طوائف من أهل البدع والكلام والشيعة وكثير من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم ممن يوجب عصمة الأنبياء من الصغائر وهؤلاء فروا من شيء ووقعوا فيما هو أعظم منه في تحريف كلام الله عن مواضعه. وأما السلف قاطبة من القرون الثلاثة الذين هم خير قرون الأمة؛ وأهل الحديث والتفسير؛ وأهل كتب قصص الأنبياء والمبتدأ وجمهور الفقهاء والصوفية؛ وكثير من أهل الكلام كجمهور الأشعرية وغيرهم وعموم المؤمنين؛ فعلى ما دل عليه الكتاب والسنة مثل قوله تعالى ((وعصى آدم ربه فغوى} وقوله: ((ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} بعد أن قال لهما: ** ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وقوله تعالى ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} مع أنه عوقب بإخراجه من الجنة. وهذه نصوص لا ترد إلا بنوع من تحريف الكلام عن مواضعه؛ والمخطئ والناسي إذا كانا مكلفين في تلك الشريعة فلا فرق وإن لم يكونا مكلفين امتنعت العقوبة ووصف العصيان والإخبار بظلم النفس وطلب المغفرة والرحمة وقوله تعالى ** ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وإنما ابتلى الله الأنبياء بالذنوب رفعا لدرجاتهم بالتوبة وتبليغا لهم إلى محبته وفرحه بهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويفرح بتوبة التائب أشد فرح فالمقصود كمال الغاية لا نقص البداية؛ فإن العبد يكون له الدرجة لا ينالها إلا بما قدره الله له من العمل أو البلاء.)).

وقال: ((وفي الكتاب والسنة الصحيحة والكتب التي أنزلت قبل القرآن مما يوافق هذا القول ما يتعذر إحصاؤه

والرادون لذلك تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية والقدرية والدهرية لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد وهي من جنس تأويلات القرامطة الباطنية التي يعلم بالاضطرار أنها باطلة وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه وهؤلاء يقصد أحدهم تعظيم الأنبياء فيقع في تكذيبهم ويريد الإيمان بهم فيقع في الكفر بهم

ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة متظاهرة والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة

لكن المنازعون يتأولون هذه النصوص من جنس تأويلات الجهمية والباطنية كما فعل ذلك من صنف في هذا الباب وتأويلاتهم تبين لمن تدبرها أنها فاسدة من باب تحريف الكلم عن مواضعه)).

وقال الشيخ: ((وَأَمَّا الْعِصْمَةُ فِي غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلِلنَّاسِ فِيهِ نِزَاعٌ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالسَّمْعِ؟ وَمُتَنَازِعُونَ فِي الْعِصْمَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ أَوْ مِنْ بَعْضِهَا أَمْ هَلْ الْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا لَا فِي فِعْلِهَا؟ أَمْ لَا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْعِصْمَةِ إلَّا فِي التَّبْلِيغِ فَقَطْ؟ وَهَلْ تَجِبُ الْعِصْمَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَمْ لَا؟ وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ إثْبَاتُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ مُطْلَقًا وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا وَحُجَجُ الْقَائِلِينَ بِالْعِصْمَةِ إذَا حُرِّرَتْ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَحُجَجُ الْنُّفَاةِ لَا تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ ذَنْبٍ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِالْعِصْمَةِ احْتَجُّوا بِأَنَّ التَّأَسِّي بِهِمْ مَشْرُوعٌ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير