ولا مشاحة في اصطلاحات هذه العلوم التي استقرت أعلاماً بالغلبة على مسمياتها.
وعرض أصول العلوم العربية مرتبة ترتيباً متوافقاً مع الحكمة البيانية لدى العرب= كافٍ في بيان المزية، حتى يأتي من يعارض أو من يساند، وفي كل خير.
والمقارنة أو الموازنة التي تراها هنا ممكنة غير مستحيلة، بين الألسنة التي لها قواعد مستنبطة ومدوّنة، فلكل لسان منها أصوات وتصاريف وتراكيب ومعان .. وهي متوفرة طوع أيدي الباحثين .. " ملقاة في الطريق "!؛ على حد قول للجاحظ، رحمه الله، قالها في مقام غير هذا المقام ..
ولا أظن أننا بحاجة إلى الإحاطة بكل الألسنة وبكل مهاراتها وبكل اقتدار في النطق والكتابة؛ إذن فليرزقنا الله تعالى برؤيا نرى فيها النبيء سليمان عليه السلام!!.
وقطب الرحى في هذه المدارسة هي العربية التي هي المقصودة بالبيان؛ عَرْضاً للأصول من الكتب الجامعة لعلومها، ورؤوس المسائل، وأما بقية الألسنة ففي المقارنة أو الموازنة.
وقد اخترت، للمقارنة، من نحو الصوت: عدد الحروف (الأصوات).
ومن نحو الكلمة: أقسام الكلمة.
ومن نحو الجملة: الإسناد.
ومن نحو المعنى: معنى الإسناد.
والبداية بنحو الصوت:
أولاً: نحو الصوت:
اللسان هو الجزء الظاهر من آلة التصويت الإنسانية التي هي ترجمان المعاني الذهنية، واللغة الناشئة عنه أيّةً كانت هي أصوات تعبيرية ... وقد نسبت إليه اللغة لأن أكثر أصواتها يخرج منه. والأصوات هي أصغر مكونات اللغات .. وتسمى في الدراسات الحديثة: وحدات.
وإن شئت التقريب فالأصوات هي المواد الخام التي انبنت بها اللغة، وهي التي يكوّن بها اللسان الكلمات.
ولسان الإنسان يختلف اختلافاً بيناً عن ألسنة الحيوان الأخرى، التي لا تكاد تزيد عن نطق الحرف والحرفين (في مقاطع ساذجة)، ولا مدخل للسان في إخراجها، وإنما هي أصوات خارجة من "الجوف" فإذا هي: نباح أو عُواء أو مواء أو نهيق أو صهيل أو سجع أو زقزقة أو صفير أو هدهدة ونحوه.
ومهما علت أصواتها فهي في نظر العربيّ عجماوات لا تفصح ولا تبين عما في أنفسها للناس، وإن كانت تتعايش بذلك فيما بينها.
حتى إذا أتيت على ألسنة الأناسي وجدتها تزيد عن ذلك العدد من الأصوات، وتتفاضل فيما بينها في تلك الأعداد وتختلف في توزيع المخارج وأنواع الصفات والوظائف التعبيرية والجمالية.
الحيوانات متعلمة بالإلهام الغريزي (وأوحى ربك إلى النحل)، فلا تحتاج أن تتعلم لغاتها في أصوات وصرف ونحو وبلاغة!!!، إنما هي أصوات فقط وحركات.
أما الإنسان فهو عالم بالتعلم، لأنه مكلف بالإرادة، محتاج إلى تعلم اللغة والشرع والخلق والعمل والإبداع والسباحة والرماية وركوب الخيل .. وعلّم الله آدم ما علمه من أصول البيان .. فتعلّمه ونجح في الامتحان البيان (أنبأهم بأسمائهم).
وسندرس هذه الوحدات الصوتية في العربية، وستكون هذه الدراسة من أوثق كتب هذا الفن؛ كتاب إمام النحويين سيبويه، عليه رحمة الله.
قال سيبويه في الكتاب 4/ 431، و432 [ط هارون]:
" هذا باب عدد الحروف العربية ومخارجها ومهموسها ومجهورها وأحوال مجهورها ومهموسها واختلافها.
فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً:
الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والكاف والقاف والضاد والجيم والشين والياء واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو.
وتكون خمسةً وثلاثين حرفاً، بحروفٍ هن فروعٌ، وأصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار؛ وهي النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين، والألف التي تمال إمالةً شديدة، والشين التي كالجيم، والصاد التي تكون كالزاي، وألف التفخيم يعنى بلغة أهل الحجاز في قولهم الصلاة والزكاة والحياة.
وتكون اثنين وأربعين حرفاً، بحروف غير مستحسنةٍ ولا كثيرة، في لغة من ترتضي عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر؛ وهي الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء.
¥