وهذه الحروف التي تممتها اثنين وأربعين، جيدها ورديئها، أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة ... ". انتهى.
ترتيب سيبويه للأصوات ترتيب صوتي "على مذاقها وتصعدها"؛ كما هو مبيّن في (سر صناعة الإعراب لابن جني)، وهو أدق من ترتيب من سبقه (على أي أساس نسَقي رُتبت أحرف العجم: A B C D E F …..) ؟ . أظن أنه لا أساس له إلا أنه مأثور.
هذه هي الحروف التي يخرجها اللسان العربي، إخراجاً مجرداً من هيئة ذلك الإخراج، أي الأصوات في حالة سكونها واستقرارها.
وهيئة إخراجه هي تلبسه بحركة تلازمه حالة النطق، وهي الحركات المعروفة: الضم للشفتين والفتح والكسر، ما عدا الألف؛ لأنه ساكن أبداً لا يقبل الحركات.
وقد رأيت أن سيبويه نقل عن العرب تنوعاً في نطقها بين فصيح (29) ومستحسن (6) ومستهجن (8)، حتى بلغت اثنين وأربعين حرفاً، ترتدّ كلها إلى الأصول التسعة والعشرين الفصيحة (المنتخبة).
وفي الكتاب وغيره من كتب اللغة والقراءة وصف لتلك المخارج وصفاتها وإدغامها وسائر أحكامها، فلا نطيل بذكرها.
فتحصل للسان العربي تسعة وعشرون حرفاً متوزعة على جهاز التصويت الإنسانيّ من الجوف إلى الحلق فاللسان والشفتين والخيشوم.منها حرف مدّيّ هو الألف، وله أخوان مدّيّان؛ الواو والياء. وهذه الأحرف المدية تسمّى: الحركات الطويلة؛ فهي ثلاث حركات.
فإذا قصرت هذه الأحرف المدية الثلاثة كانت هي الحركات القصيرة أو أبعاض حروف المد واللين (كما في سر الصناعة)؛ أيْ: الضمة والفتحة والكسرة، وقد تسمى الضمةُ واواً صغيرة، والفتحة ألفاً صغيرة، والكسرة ياء صغيرة.
وعدد هذه الحركات؛ الطويلة والقصيرة = ستة، وهي صالحة لأن تتعاقب على الحروف الأصول الثمانية والعشرين (بعد أن أدخلنا الألف المدية في الحركات الطويلة).
فتحصل أن مع الحروف الثمانية والعشرين (وهي الساكنة في الأصل) ستّ حركات؛ أي لكل حرف صحيح من الثمانية والعشرين سبع أحوال مقطعية بسيطة.
وتصوير هذا حساباً يكون كالآتي:
(28 حرفاً) × (7 مقاطع بسيطة) = 196 (صوت) = مجموع أصوات العربية.
أو قل: مجموع المواد التي تستطيع أن تؤلف بها الكلمات = 196.
وتمثيل تلك الأحوال في حرف الباء من الحروف الثمانية والعشرين = ما يأتي:
ابْ، بَـ، بِـ، بُـ، بَا، بي، بُو.
موازنة:
اختفت من الانجليزية هذه الأصوات: الحاء والخاء والضاد والظاء والطاء والعين والغين.
وتفرع عن الفاء (أو انشطرت إلى) ثلاثة أشكال (أشطار)، فعبروا عنه بـ ( F V PH) ، والجيم ( G J) واختلط فيها السين والصاد ( C S)، وضعفت فيها الراء R، واختلطت الحروف (الساكنة: الصامتة بالحركات (المتحركة: الصائتة). وكانت الفروقُ بينها إما في الحركة والسكون كـ C و S أو الصفات كـ V و F، أو قلة الرموز كـ TH و SH، أو اختلاط الأصوات في الحرف الواحد كـ X ، الذي نعبر عنه بحرفين: اكس، رغم أن هناك Q و S .
وعلى ذلك فحروف الانجليزية تكافئ نصف الحروف الفصيحة في العربية أو ثلث الحروف المستهجنة منها.
هذا وصف لهذه الأصوات في حال مقاطعها البسيطة، يظهر مبلغ فقر الإنجليزية الصوتي أمام غنى العربية.
ومثل الانجليزية في فقرها الصوتي الفرنسية، وقد حلّ فيها الغين محل الراء، ولا ينطق فيها حرف الهاء ( H) ، فيقولون: أوتيل في (هوتيل): فندق، وينطقون السين أحياناً زاياً، ولا ينطقون الحروف الصحاح (السواكن) إذا وقعت في الأواخر؛ اقتصاداً، ويُخرجون مُجاوِرات الميم والنون من الخيشوم!.
وتتكون الصينية (( Hanzi) : هانْ زِي = الأحرف الصينية) من أكثر من أربعة وأربعين ألف حرف (44444)، هي في الحقيقة مقاطع تعبيرية، وكلّ مقطع منها كلمة ذات معنى.
وبقرار من (ماو سي تونغ؛ وكان معلماً للغة الصينية) اختصرت إلى الربع من ذلك، فصارت عشرة آلاف حرف؛ أي (10000) كلمة أو مقطع، ولمحو الأمية يحتاج الطالب إلى تعلم أربعة آلاف حرف (4000)، وقريب من نظامها المقطعي الجامد هذا: اليابانية والكورية والفيتنامية ..
¥