الكلمة: من الكَلْم، وهو الجُرْح، وسُمّي اللسان جارحة؛ لأنه يعمل الكلام، فيجرح به طعناً وهمزاً ولمزاً شتماً وذمّاً، وهي في الاصطلاح: لفظ ذو معنى، لفظ: مؤلف من بعض أحرف الهجاء، والمعنى: المقصد.
وللكلمة في كلّ قسم من أقسامها نظام وزمام وأحكام.
ونحو الكلمة هو الذي دُرست فيه الكلمة من زوايا نظر مختلفة، في علوم كثيرة، من علوم اللسان، تجدها محصورة في كتب إحصاء العلوم؛ كمفتاح السعادة لطاشكبري زاده (- 968هـ)؛ وهي علم التصريف، وعلم الاشتقاق، وفي علم المعجم، وهو متن ألفاظ اللغة، وفقه اللغة.
وهي علوم أصيلة في العربية، مطردة الأقيسة، موفورة النقل، بديعة الاستنباط والتجريد والتقسيم.
سيبويه إمام الكلمة
بدأ سيبويه كتابه بالكلمة وأقسامها على جهة الإفراد، وتبعه كل النحويين من بعد؛ قال سيبويه في صدر كتابه:
" (هذا بابُ علْم ما الكَلِمُ من العربية)
فالكَلِم: اسمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ جاء لمعنىً ليس باسم ولا فعل.
فالاسمُ: رجلٌ وفرسٌ وحائط.
وأما الفعل فأمثلة أُخذتْ من لفظ أحداث الأسماء وبُنيتْ لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم يَنقَطع.
فأما بناء ما مضى فذَهَبَ وسَمِعَ ومَكُث وحُمِدَ، وأما بناء ما لم يقَع فإنّه قولك آمِراً: اذهَب واقتُلْ واضرِبْ، ومخبِراً: يَقْتُلُ و يَذهَبُ ويَضرِبُ ويُقْتَلُ ويُضرَبُ. وكذلك بناء ما لم يَنقطع وهو كائن إذا أخبرتَ.
فهذه الأمثلة التي أُخذت من لفظ أحداث الأسماء ولها أبنية كثيرة ستبيَّن إن شاء الله.
والأحداث نحو الضَّرْبِ والحمد والقتل.
وأما ما جاء لمعنىً وليس باسم ولا فعلٍ فنحو: ثُمَّ، وسَوْف، وواو القسم، ولام الإضافة، ونحوها". انتهى [الكتاب 1/ 12]
استفدنا من هذه العبارة لسيبويه رحمه الله تعالى في الكتاب ما يلي:
1. أن الكلمات العربية تدور على ثلاثة محاور (وهذا تقسيم سطحي أو أفقي)، وهي أن يكون الكلام على: أسماء وأفعال وحروف؛ لا تخرج الكلمات عن أن تكون إحداها: اسماً أو فعلاً أو حرفَ معنى.
2. وأن هذا التقسيم هو أول استنباط في تاريخ النحو بمعناه العام علي ما جَرَيْنا على استعماله هنا، وأول مفتاح قدّمه النحويون لحلّ عُقد لسان العرب، وهو تقسيم لا يستغني عنه مستغنٍ يدرس العلوم العربية.
3. وأن لتقسيمه هذا عللاً حكيمة طواها، ولكن نشَرَها من بعده، كالزجاجي والأنباري.
4. وأن في كلام سيبويهِ هذا " بساطة " في التقسيم (أقصد بالبساطة: ما كانت خلافَ التركيب)؛ بساطة لا تراها بهذا الوضوح والإيجاز في كلام غيره من النحويين، ولا عند أهل الألسنة الأخرى.
تأمل معي مُدخل سيبويه ومُخرجه في تقسيمه جنس " الكلام " تقسيماً جامعاً مانعاً إلى أنواعه الثلاثة التي لا يخرج عنها الكلام: الاسم والفعل والحرف، وإلى تقسيمه بعد ذلك نوع " الفعل " إلى فصوله الثلاثة؛ دون قسيميه؛ الاسم والحرف، اللذَيْن لا ينفكّان عن أقسام وأنواع وفروع، وتأملْ أيضاً: ما طواه في الفعل، أو بعبارة ثانية أدقّ؛ تأملْ بيانه ما انطوى عليه " الفعل "؛ بصيغه الثلاثة (نحو: فعَل يفعلُ افعلْ) من أمور ثلاثة، وهي: (1) الحدث (2) والزمن الذي وقع فيه الحدث (3) والصيغة التي يصاغ بها الحدث في زمنه .. طيّاً .. أو انطواءً لا يُعرف ولن يعرف في لسان من الألسنة، التي انفرط عقد الفعل فيها، فصار للحدث صيغة مع كل زمن، وللزمن صيغة تجاور الفعل، ولا رابط بين تلك الصيغ من اشتقاق أو أصل أو قياس إلا في النادر!
وذلك الإيجاز والإجمال في قسمة الفعل العربيّ كائن عند سيبويه في قوله: "بناء ما مضى"، و"بناء ما يكون ولم يقع "، و"بناء ما لم ينقطع وهو كائن". فأنت هنا مضطر أن تلتفت إلى كل الأزمنة التي يحتملها هذا الكلام في صيغه الثلاثة؛ لأن هذا الكلام الذي أوجزه سيبويه في صدر كتابه لهو أكبر من أن يقال: إنه يقصد به الفعل الماضي والفعل المضارع وفعل الأمر؛ على ما جرى على النحويون الذين جاؤوا من بعده، وتُنوسي كلامه هذا على نفعه في كتب النحو.
¥