وعلة تلك القسمة الثلاثيّة للكلمة إلى: اسم وفعل وحرف لمعنى = أشار إليها الزجاجيّ (- 339) حين كان يجيب عن سؤال يتهم النحويين المقلدين لسيبويه بلا برهان= قال ما خلاصته: الاسم هو علامة دالة على ذات المسمى، والفعل علامة على الحدث، والحرف رابط بين الذوات والأحداث، فالاسم يخبر به ويخبر عنه، والفعل يخبر به ولا يخبر عنه، والحرف لا .. ولا .. ، وأن التعبير عما في الأنفس من أمور الحياة جارٍ على اعتبار هذه الأمور الثلاثة. فإذا كانت أقسام الحياة ثلاثة: أشياء: ذوات: ج ذات، وحركات هذه الأشياء (أحداث)، ورابط يربط بين الأشياء بعضها مع بعض والأحداث .. فيجب أن تكون أقسام مفردات اللسان كذلك: اسم (للشيء) وفعل (للحدث) وحرف (للربط). [الإيضاح في علل النحو 44]
وهذا مصداق القول القائل: إن اللغة وعاء لفظيّ لعلامات دالة على الواقع؛ أو شيء بمعناه. .
ويفسر أبو البركات الأنباري (-577) رحمه الله وجه حصر الأقسام في ثلاثة، من غير زيادة، في قوله: "فلمَ قلتم: إن أقسام الكلام ثلاثة لا رابع لها؟ قيل: لأنا وجدنا هذه الأقسام الثلاثة يعبر بها عن كلّ ما يخطر بالبال، ويُتوهّم في الخيال، ولو كان ههنا قسم رابع لبقي في النفس شيء لا يمكن التعبير عنه.
ألا ترى أنه لو سقط آخر هذه الثلاثة الأقسام لبقي في النفس شيء لا يمكن التعبير عنه بإزاء ما سقط". [أسرار العربية 4]
يقصد الأنباري أن الزيادة على ثلاثة الأقسام المذكورة للكلمة عبثٌ في التقسيم، وأن النقص عنها مخلّ بمقاصد المتكلم.
ولو تجاوزت هذا الحد من تعريف الكلمة وأنواعها .. إلى فصولها؛ من الإعراب والبناء والاشتقاق والجمود والتجريد والزيادة، لكنتَ كمن يوغل في وصف أوراق غصن نضيد أو أبناء أمّ ولود أو كمن يجمع الشبيه إلى شبيهه والنظير إلى نظيره.
وقد كان لانضباط قوانين (الإعراب والبناء) في الكلمة و (الاشتقاق والجمود) و (التجريد والزيادة) في العربية واطّرادها ومرونتها = أثر ظاهر في تسويغ هذا التجريد البديع لشجرة اللسان. وهذا من جهة تعلق الكلمة بغيرها (الذي يدرس في علم النحو على اصطلاحه المتأخر عن زمن سيبويه رحمه الله).
أما الكلمة في نفسها فقانون آخر (يدرس في علم الصرف)، لا يبعد في تجريده من تجريد الكلمة التي تعلقت بغيرها. فأنت تستعرض الكلمات العربية لتتبصر فيها آلة بديعة الصنعة، قوامها أربعة أمور:
1. الأحرف الأصول: (ف. ع. ل. ل. ل (الثابتة في كل كلمة، ثُلاثية الأصول كانت أم رباعية (في الأسماء والأفعال) أو خماسية الأصول (ولا تكون كذلك إلا في الأسماء).
2. هذه الحروف الأصول تكون صحيحة، وتكون عليلة؛ وهي: الألف والواو والياء والهمزة.
3. وتتغشاها أحرف الزيادة؛ إن في الصدر أو في الحشو أو في العجُز، وهي: (سألتمونيها).
4. وأحرف الإبدال التي تعتري أحرف الزيادة وهي المجموعة في قول: (هدأت موطيا)!.
وتتوالد أبنية لا حدّ لها على سنن هذا الميزان المحكم أو الآلة الدقيقة، وتستخرج المعاني من صيغ الأوزان كما تستخرج من أحرف الكلمة المجموعة.
والكلمة العربية على ذلك القانون الصرفيّ المُحكَم: غير قابلة لتجريد (: حذف أصول) أقل مما كان من الأصول الثلاثة؛ فليس في العربية كلمات أحادية أو ثنائية على الصحيح، إلا على تقدير حذف، من نحو: قِ، ويدٌ، وغير قابلة للضمّ والتمازج إلا إدغاماً نحو: مدّ، أو بعلبك، وغير قابلة للحذف منها إلا لقياس أو خفة مأثورة، وغير قابلة للاقتصاد (وفرق بين الخفة وهي مطلوبة، والاقتصاد وهو مذموم في هذا الباب!) وغير قابلة للاعوجاج والذبول والتعجّم ".
- وإذا كانت الكلمة العربية (المرنة والمطواعة والقياسية) فأبنيتها خاضعة للميزان الصرفي، وجارية على أقيسة مقطعية مطردة في الغالب، أما إذا كانت غير ثابتة الشكل في كل أحوالها (أي المبنية) ولا مجهولة الأصول (أي الأعجمية (فغير داخلة في الميزان. ما الفائدة من وزن شيء مجهول؟ أو وزن شيء ثابت الوزن؟.
¥