واستقل فيها التعبير الزماني عن الفعل كالانجليزية، فيأتي الفعل وبعده مقطع أو مقاطع تبين زمنه الذي وقع فيه، وقد ترى مقاطع بعينها، خارجةً عن بنية الفعل، يعبرون بها عن الاسمية والفعلية، أو مقاطع مكرّرة أو أصوات تحاكي الحدث أو تطابق الصوت، وهي في العربية أسماء أصوات مثل: قَب؛ لغلق باب، وغاق؛ لصوت الغراب، لا أصوات مطابقة للصوت في الواقع فحسب. وليس عندهم مقاطع لصيغة الجمع، بل المفرد يُعبر به عن المثنى والجمع!. واختفت من معارفها الضمائر، فيستعيظون عنها بما هو أثقل: الاسم الظاهر مضافاً إليه مقاطع تثبت حضوره أو غيابه!. واستجاب لسانها العتيق طائعاً لقرار عظيم الصين؛ ماو سي تونج (أشرت إليه آنفاً) الذي حَصَد منها ثلاثة أرباعها!.
وفي الانجليزية (من الأوربيات) أسماء وأفعال تكتب بمقطع واحد يفرق بينهما السياق (كالصينية!. (وهذا يبعدهما عن الألسنة الاشتقاقية المرنة المطواعة، ويقربهما من الألسنة المتصلبة المتعجمة (من عجمة النواة: صلابتها).
والفارسية من الألسنة الاشتقاقية كالألمانية (بجامع: الهندوأوربية)، ولكن لم تستطع (مثل العربية مع كلمات الفارسية المعرَّبة) تصريف الكلمات العربية التي دخلت إليها على موازين كلامها، فجاءت الكلمات العربية فيها دخيلة جامدة (مبنيّة) بادية العسر (وهذا نوع من انفلات الزمام والتعجّم والتصلّب)!. وسبب ذلك ضعف منظومتها الصرفية والاشتقاقية مقارنة بمنظومة العربية ذات الأصل والفصل!.
ويبدو تأثر واضعي قواعد الفارسية بشكل القواعد العربية واصطلاحاتها، مع اختلاف المضمون!، فجاء تقسيم أزمنة أفعالها والصيغ التي تعبر عنها متشابهاً مع نظام الانجليزية (في التعقيد).
واختفى من ضمائرها أنتِ وأنتما وأنتن وهما وهنّ (كالانجليزية والفرنسية)، كاختفاء هذين وهاتين!.
وتأثر معجم العبرية (السفردية)، كالمعجم الفارسي، بما أخذوه عن العرب، إبان إقامتهم في الأندلس؛ للتقارب الكبير بينهما في التكون من الأصول الثلاثية للكلمات ونحوه، وتأثر بما نقله (الأشكناز) من الأوربيات، وجعلوا حديثاً للحال والاستقبال فعلين؛ واحداً للحال وواحداً للاستقبال؛ عوضاً عن فعل واحد يغني عن صيغتين: بدل الفعل المضارع في العربية الذي يسدّ مسدهما؛ فالأفعال عندهم أربع صيغ؛ وما ذلك إلا لنقص الاشتقاق فيها. يقول العربي في الحال: (أنا أذهب)، وفي الاستقبال: (أنا ذاهبٌ) من باب الترجمة! فأنا ذاهب: ليس فيها دلالة زمنية؛ كما لا يخفى، فهي اسم، وبعض الكوفيين يسمي في: (أنا ذاهبٌ) منوناً: فعلاً دائماً؛ يقصدون: الحدث، وفي العبرية الحديثة بالعكس!. (وقد كانت العبرية القديمة ثلاثية التقسيم كالعربية).
واختفى منها أنتما وهُما، وتؤدي بضمير البعد معنى الإشارة إلى البعيد؛ فلا اسم إشارة له فيها.
اختفت من هذه الألسنة المحكية والمدونة = أسماء كثيرة بأوزانها، واختفت دلالات معنوية وزمانية في ألفاظها وتصاريفها، واختفت معاني حروف وحروف معانٍ ... وبقيت تلك الأسماء والأوزان والدلالات والحروف في العربية المدونة والمحكية.
فعلى أيّ معنى يدل بقاء تلك الفنون اللفظية المعنوية في العربية، مع ذاهب آثارها من غيرها؟ ..
(يتبع .. ثالثاً: نحو الجملة)
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[11 Oct 2010, 07:29 ص]ـ
حقيقة موضوع ماتع جدا أشكركم عليه. وأرجو منكم إكماله حفظكم الله.