ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[11 Oct 2010, 07:35 م]ـ
أخي الكريم: وفقني الله وإياك لخيري الدنيا والآخرة.
الفهم المبني على الأسس الشرعية لا يعارضه عاقل؛ وإنما الذي تكلمت عنه هو الفهم المنبت.
والفهم في كتاب الله تعالى - في الأغلب - لا بد أن يكون له أساس؛ لأن الوحي قد انقطع؛ وصرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما العلم بالتعلم .. "
فلا بد لعرض فهم كتاب الله تعالى من أسس من أهمها:
1 - قبل أن أعرض فهمي للآية يجب علي أن أكون خلفية في التفسير وعلوم القرآن؛ ثم في لغة العرب التي بها نزل كتاب الله تعالى.
2 - يجب أن أقرأ في كلام المفسرين من السلف الصالح وكأني أعرض عليهم فهمي لهذه الآية؛ فإن وجدت منهم من وافقني على ذلك الفهم فالمسألة سهلة ويمكن طرحها في الملتقيات لعرض أدلة القولين أو الأقوال والوصول إلى الراجح منها.
3 - إن لم أجد فهمي عند أحد من السلف الصالح؛ فيجب علي قبل أن أضرب الحائط بأقوال هؤلاء الخيرة البررة أن أتثبت؛ وأعرض فهمي على العقيدة الإسلامية؛ فهل يخالفها أم لا؟ ثم أراجع الآيات التي في معنى الآية لعلي أجد أن فهمي ضعيفا أو مخالفا لاستقراء الايات أو نحو ذلك.
4 - إن تثبت من أن فهمي لا يعارضه أرجح منه؛ ولا يخالف أصلا مجمعا عليه؛ لا بأس بأن أطرحه على أهل العلم المعاصرين في الملتقى أو في غيره وأسمع منهم.
وأما فهمك لقوله تعالى: "ولكل قوم هاد" فسأنقلك لكلام الشنقيطي رحمه الله تعالى عليها حيث قال: (قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ... }.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن لكل قوم هادياً. وقد جاء في آيات أُخر ما يدلُ على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هادٍ، سواء فسّرنا الهدى بمعناه الخاص أو بمعناه العام.
فمن الآيات الدالة على أن بعض الناس لم يكن لهم هاد بالمعنى الخاص؛ قوله تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} فهؤلاء المضلون لم يهديهم هاد الهدى الخاص، الذي هو التوفيق لما يرضي الله. ونظيرها قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}، وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الآيات الدالة على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد بالمعنى العام، الذي هو إبانة الطريق، قوله تعالى: {{لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ (6) سورة يس} بناء على التحقيق من أن " ما " نافية لا موصولة، وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ .. } الآية.
فالذين ماتوا في هذه الفترة، لم يكن لهم هادٍ بالمعنى الأعمِّ أيضاً.
والجواب عن هذا من أربعة أوجه.
الأول: أن معنى قوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي داع يدعوهم ويُرشدهم، إما إلى خير الأنبياء، وإما إلى شر كالشياطين. أي وأنت يا رسول الله منذر هادٍ إلى كل خير. وهذا القول مرويٌّ عن ابن عباس، من طريق علي بن أبي طلحة، وقد جاء في القرآن استعمال الهدى في الإرشاد إلى الشر أيضاً، كقوله تعالى: {كُتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} وقوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم}، وقوله تعالى: {ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم} كما جاء في القرآن أيضاً إطلاق الإمام على الداعي إلى الشر، في قوله: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار .. } الآية.
الثاني: أن معنى الآية: أنت يامحمد - صلى الله عليه وسلم - منذر، وأنا هادي كل قوم ويُروى هذا عن ابن عباس من طريق العوفي، وعن محمد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد. قاله ابن كثير.
وعلى هذا القول، فقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، يعني به نفسه جل وعلا. ونظيره في القرآن قوله تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} يعني نفسه، كما قاله قتادة. ونظيره من كلام العرب قول قتادة بن سلمة الحنفي:
ولئن بقيتُ لأرحلنَّ بغزوةٍ تحوي الغنائم أو يموت كريمُ
يعني: نفسه.
¥