تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السؤال الثالث: الظاهر أنه -عليه الصلاة والسلام- كان مأذونا في أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة، وأنه -عليه الصلاة والسلام- كثيرا ما كان يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء، وكيف لا يكون كذلك وهو -عليه الصلاة والسلام- إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلا في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه، وإذا كان ذلك مأذونا فيه، فكيف وقعت المعاتبة عليه؟ فهذا جملة ما يتعلق بهذا الموضع من الإشكالات.

والجواب عن السؤال الأول من وجهين: الأول: أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء؛ فلهذا السبب حصلت المعاتبة، ونظيره قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) [الأنعام: 52]

. الوجه الثاني:* لعل هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه، وهو أن قلبه -عليه الصلاة والسلام- كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه، فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة، لا على التأديب بل على التأديب لأجل هذه الداعية.

والجواب عن السؤال الثاني أن ذكره بلفظ الأعمى ليس لتحقير شأنه، بل كأنه قيل إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة، فكيف يليق بك يا محمد أن تخصه بالغلظة.

والجواب عن السؤال الثالث أنه كان مأذونا في تأديب أصحابه لكن هاهنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة.

المسألة الثانية: القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا البتة.

المسألة الثالثة: أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى، هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأجمعوا [على] أن الأعمى هو ابن أم مكتوم، وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة ونحوه كلح في كلح، أن جاءه منصوب بتولى أو بعبس على اختلاف المذهبين في إعمال الأقرب أو الأبعد ومعناه: عبس لأن جاءه الأعمى، وأعرض لذلك، وقرئ أن جاءه بهمزتين وبألف بينهما، وقف على (عبس وتولى) ثم ابتدأ على معنى ألأن جاءه الأعمى، والمراد منه الإنكار عليه. واعلم أن في الإخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانيا جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمي في الشكاية مواجها بالتوبيخ وإلزام الحجة."

* لا شك أن ما ذكره الرازي في الوجه الثاني لا يصح أن يقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذكره على سبيل الاحتمال، وربما أنه بناه على بعض الروايات التي ذكرت حرص النبي صل1على إسلام أشراف قومه وذلك من أجل الإسلام لا لشيء آخر.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[15 Oct 2010, 01:31 م]ـ

قال بن حجر في الفتح:

"وَلَمْ يَخْتَلِف السَّلَف فِي أَنَّ فَاعِل عَبَسَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيّ فَقَالَ. هُوَ الْكَافِر. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ وَابْن حِبَّان مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " نَزَلَتْ فِي اِبْن أُمّ مَكْتُوم الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَرْشِدْنِي - وَعِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ عُظَمَاء الْمُشْرِكِينَ - فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِض عَنْهُ وَيُقْبِل عَلَى الْآخَر فَيَقُول لَهُ: أَتَرَى بِمَا أَقُول بَأْسًا؟ فَيَقُول: لَا. فَنَزَلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى " قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَسَن غَرِيب، وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْضهمْ عَنْ عُرْوَة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير