تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَمْ يَذْكُر عَائِشَة. وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمهُ أُبَيّ بْن خَلَف. وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك أَنَّهُ أُمَيَّة بْن خَلَف. وَرَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث عَائِشَة أَنَّهُ كَانَ يُخَاطِب عُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَيْ رَبِيعَة. وَمِنْ طَرِيق الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: عُتْبَة وَأَبُو جَهْل وَعَيَّاش. وَمِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة: كَانَ فِي مَجْلِس فِيهِ نَاس مِنْ وُجُوه الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْل وَعُتْبَة، فَهَذَا يَجْمَع الْأَقْوَال."

وقد صحح الألباني رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى.

وأقول مرة أخرى ليس في الأمر انتقاص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مطعن في خلقه صلى الله عليه وسلم، بل إن فيه بيان لقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله، حيث تولاه بالتربية والهداية إلى أكمل الأخلاق وأجملها، فكان على ما أراد الله على "خلق عظيم"، هكذا نرى القضية، أم الذين يرون خلاف ذلك وأن فيه طعن في أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لم يعرفوا قدر الله تبارك وتعالى ولا قدر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا فهموا القرآن على وجهه الصحيح.

يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى وهو يبين القضية ويحملها على أحسن محاملها وأصحها:

"إن هذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جداً. أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة. إنه معجزة، هو والحقيقة التي أراد إقرارها في الأرض، والآثار التي ترتبت على إقرارها بالفعل في حياة البشرية. ولعلها هي معجزة الإسلام الأولى، ومعجزته الكبرى كذلك. ولكن هذا التوجيه يرد هكذا تعقيباً على حادث فردي على طريقة القرآن الإلهية في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة فرصة لتقرير الحقيقة المطلقة والمنهج المطرد.

وإلا فإن الحقيقة التي استهدف هذا التوجيه تقريرها هنا والآثار الواقعية التي ترتبت بالفعل على تقريرها في حياة الأمة المسلمة، هي الإسلام في صميمه. وهي الحقيقة التي أراد الإسلام وكل رسالة سماوية قبله غرسها في الأرض.

هذه الحقيقة ليست هي مجرد: كيف يعامل فرد من الناس؟ أو كيف يعامل صنف من الناس؟ كما هو المعنى القريب للحادث وللتعقيب. إنما هي أبعد من هذا جداً، وأعظم من هذا جداً. إنها: كيف يزن الناس كل أمور الحياة؟ ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون؟

والحقيقة التي استهدف هذا التوجيه إقرارها هي: أن يستمد الناس في الأرض قيمهم وموازينهم من اعتبارات سماوية إلهية بحتة، آتية لهم من السماء، غير مقيدة بملابسات أرضهم، ولا بموضوعات حياتهم، ولا نابعة من تصوراتهم المقيدة بهذه المواضعات وتلك الملابسات.

وهو أمر عظيم جداً، كما أنه أمر عسير جداً. عسير أن يعيش الناس في الأرض بقيم وموازين آتية من السماء. مطلقة من اعتبارات الأرض. متحررة من ضغط هذه الاعتبارات.

ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك ضخامة الواقع البشري، وثقله على المشاعر، وضغطه على النفوس، وصعوبة التخلي عن الملابسات والضغوط الناشئة من الحياة الواقعية للناس، المنبثقة من أحوال معاشهم، وارتباطات حياتهم، وموروثات بيئتهم، ورواسب تاريخهم، وسائر الظروف الأخرى التي تشدهم إلى الأرض شداً، وتزيد من ضغط موازينها وقيمها وتصوراتها على النفوس.

كذلك ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك أن نفس محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد احتاجت كي تبلغه إلى هذا التوجيه من ربه؛ بل إلى هذا العتاب الشديد، الذي يبلغ حد التعجيب من تصرفه!

وإنه ليكفي لتصوير عظمة أي أمر في هذا الوجود أن يقال فيه: إن نفس محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد احتاجت كي تبلغه إلى تنبيه وتوجيه!

نعم يكفي هذا. فإن عظمة هذه النفس وسموها ورفعتها، تجعل الأمر الذي يحتاج منها كي تبلغه إلى تنبيه وتوجيه أمراً أكبر من العظمة، وأرفع من الرفعة! وهذه هي حقيقة هذا الأمر، الذي استهدف التوجيه الإلهي إقراره في الأرض، بمناسبة هذا الحادث المفرد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير