تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأسلوب الذي تولى به القرآن هذا العتاب الإلهي أسلوب فريد، لا تمكن ترجمته في لغة الكتابة البشرية. فلغة الكتابة لها قيود وأوضاع وتقاليد، تغض من حرارة هذه الموحيات في صورتها الحية المباشرة. وينفرد الأسلوب القرآني بالقدرة على عرضها في هذه الصورة في لمسات سريعة. وفي عبارات متقطعة. وفي تعبيرات كأنها انفعالات، ونبرات وسمات ولمحات حية!

{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى}. . بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب سبحانه أن يواجه به نبيه وحبيبه، عطفاً عليه، ورحمة به، وإكراماً له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه!

ثم يستدير التعبير بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب يستدير إلى العتاب في صيغة الخطاب. فيبدأ هادئاً شيئاً ما: {وما يدريك لعله يزكى؟ أو يذكر فتنفعه الذكرى؟}. . ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير. أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير الذي جاءك راغباً فيما عندك من الخير وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى. ما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله، فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء؟ الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه. وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله. .

ثم تعلو نبرة العتاب وتشتد لهجته؛ وينتقل إلى التعجيب من ذلك الفعل محل العتاب: {أما من استغنى، فأنت له تصدى؟! وما عليك ألا يزكى؟! وأما من جاءك يسعى وهو يخشى، فأنت عنه تلهى؟!}.

أما من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك وعما عندك من الهدى والخير والنور والطهارة. . أما هذا فأنت تتصدى له وتحفل أمره، وتجهد لهدايته، وتتعرض له وهو عنك معرض! {وما عليك ألا يزكى؟}. . وما يضيرك أن يظل في رجسه ودنسه؟ وأنت لا تسأل عن ذنبه. وأنت لا تُنصر به. وأنت لا تقوم بأمره. . {وأما من جاءك يسعى} طائعاً مختاراً، {وهو يخشى} ويتوقى {فأنت عنه تلهى!}. . ويسمي الانشغال عن الرجل المؤمن الراغب في الخير التقي تلهياً. . وهو وصف شديد. .

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر: {كلا!}. . لا يكن ذلك أبداً. . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام.

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها، واستغناءها عن كل أحد. وعن كل سند. وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها، كائناً ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا: {إنها تذكرة. فمن شاء ذكره. في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بأيدي سفرة. كرام بررة}. . فهي كريمة في كل اعتبار. كريمة في صحفها، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها. وهم كذلك كرام بررة. . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها، وما يمسها من قريب أو من بعيد. وهي عزيزة لا يُتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها. .

هذا هو الميزان. ميزان الله. الميزان الذي توزن به القيم والاعتبارات، ويقدر به الناس والأوضاع. . وهذه هي الكلمة. كلمة الله. الكلمة التي ينتهي إليها كل قول، وكل حكم، وكل فصل.

وأين هذا؟ ومتى؟ في مكة، والدعوة مطاردة، والمسلمون قلة. والتصدي للكبراء لا ينبعث من مصلحة ذاتية؛ والانشغال عن الأعمى الفقير لا ينبعث من اعتبار شخصي. إنما هي الدعوة أولاً وأخيراً. ولكن الدعوة إنما هي هذا الميزان، وإنما هي هذه القيم، وقد جاءت لتقرر هذا الميزان وهذه القيم في حياة البشر. فهي لا تعز ولا تقوى ولا تنصر إلا بإقرار هذا الميزان وهذه القيم. ."

ـ[محمود البعداني]ــــــــ[15 Oct 2010, 03:40 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه، وبعد:

فقد استمعت لهذه المقاطع التي وضعتها الأخت الفاضلة للدكتور محمد أبو زيد الفقي، والحقيقة أن مناقشة ما ورد فيها يطول، ولكني أكتفي بثلاثة محاور مختصرة، وهي:

المحور الأول: ملاحظات عامة على المقطع.

المحور الثاني: أقوال الدكتور عن المفسرين.

المحور الثالث: أدلة الدكتور على ما ذهب إليه، وأدلته على رد أقوال المفسرين.

المحور الأول: ملاحظات عامة على المقطع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير