وقال الله لنبيه في معرض الحديث عن الهزيمة يوم أحد (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ... ) (فإذا عزمت) أي بعد المشاورة على أمر واطمأنت به نفسك (فتوكل على الله) في الإعانة على إمضاء ما عزمت به , لا على المشاورة وأصحابها, قال الرازي: دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه , كما يقول بعض الجهال , وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل , بل التوكل هو أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة , ولكن لا يعول بقلبه عليها , بل يعول على عصمة الحق (إن الله يحب المتوكلين). انتهى.
وقال الله في معرض الحديث عن صلاة الخوف (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) ثم أمر المؤمنين مع ذلك بالتيقظ والاحتياط والأخذ بتمام السبب الكوني فقال)) وخذوا حذركم)) لئلا يهجم عليكم العدو غيلة .. (إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا) بأن يخذلهم وينصركم عليهم في الدنيا والآخرة , فاهتموا بأموركم ولا تهملو في مباشرة الأسباب كي يحل بهم عذابه بأيديكم وقيل: لما كان الأمر بالحذر من العدو موهمًا لتوقع غلبته واعتزازه , نفى ذلك الإيهام بأن الله تعالى ينصرهم ويهين عدوهم لتقوى قلوبهم –انتهى- من كلام أبي السعود.
5/ (تطبيق شخصي) العلاقة بين الزوجين:-
تُعدَّ العلاقة بين الزوجين من أكثر الأمور التي تختلف حولها وجْهات النََّظر وذلك لعمقها ودخولها في خصوصيات لا نظير لها, وملامستها للشؤون الخاصة لكلا الطرفين , لذا يحسن بالعاقل أن يضع قواعد عامة تحكم طبيعة هذه العلاقة؛ وتطبيق هذه القاعدة والاتفاق عليها والتحاكم إليها يُعين كثيرًا على ضبط العلاقة خاصة عند الاختلاف ....
تكرر الأمر بالتقوى في القرآن الكريم في معرض الحديث عن العلاقة الزوجية ففي سورة واحدة تتحدث عن هذا الأمر مثل سورة الطلاق, تكرر الأمر به خمس مرات ليرسم لنا منهج القرآن عند الاختلاف بين الزوجين وهو السبب الشرعي الرباني لحلّ كل مشكلة والخروج من كل أزمة ,,,
وفي سورة البقرة جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) وذلك في معرض الحديث عن العلاقة الزوجية وشؤون العائلة المسلمة من الحمل والإرضاع , وكأنه يدعوا كل زوج إلى النظر في مكانة الصلاة عنده ويراجع حساباته معها, عند وجود اختلال أو ضعف في العلاقة الزوجية (ومن لم يجعل الله له نورًا فماله من نور) ..
ولم يكتف الشرع بهذا الأمر بل حث على الأخذ بالسبب الكوني فهو يدعو-مثلا- إلى التروِّي والتفكر وعدم الاستعجال بعد الطلقة الأولى (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا) وفي ذلك موافقة للطبيعة البشرية وجريًا مع السنة الكونية فإن حكم المرء على الشيء وهو في حالة من الاستقرار والهدوء , وبعد طول تفكر في الأمر يكون أقرب للصواب والحق؛؛ كما حثَّ على بعث حكم من أهله وحكم من أهلها لينظروا في أمر الزوجين , وحكمها لا بُدَّ أنه مبنيٌ على تجربة عميقة و سبر للسنة الكونية ...
كانت هذه مجرد أمثلة , وتطبيقات عملية لهذه القاعدة القرآنية , وإلا فهي تدخل في كافة شؤون الحياة ,ولا شك أن تطبيقها على علاقة العبد بربه , وعلاقته بنفسه , وعلاقته بمن حوله ,, تجعله أقرب للتوفيق والتسديد , ويتحقق له مايصبو إليه , وينال بإذن الله مراده ومبتغاه ,,,
وعندما يبذل العبد غاية جهده في الأخذ بالسبب الشرعي , ويلتجئ إلى الله في ذل وخضوع وانكسار أن يحقق له أمرا ما ,,, ثم تخونه الأسباب الكونية , وتحول دونه ودون مراده مصاعب وعقبات ثم هو يجاهد نفسه , ويبذل قصارى جهده ليصل إلى مراده ,,, عندها ... وعندها فقط .. يتنزل عليه فرج الله وتوفيقه وإلهامه وفتحه ,,, ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين))