تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الدليل الثاني: أن الله تعالى قال بعد هذه الآية: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ} [الأحزاب:38] وهذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه حرج في زواجه من زينب رضي الله عنها، ولو كان على ما روي من أنه أحبها وتمنى طلاق زيدٍ لها، لكان فيه أعظم الحرج؛ لأنه لا يليق به مدَّ عينيه إلى نساء الغير، وقد نُهي عن ذلك في قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. (19)

الدليل الثالث: أن زينب رضي الله عنها تعتبر بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم (20)، ولم يزل يراها منذ ولِدَت، وكان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، وهو الذي زوجها لمولاه زيد، فكيف تنشأُ معه، وينشأُ معها، ويلحظها في كل ساعة، ولا تقع في قلبه إلا بعد أن تزوجها زيد، وقد كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكرهت غيره، فلم تخطر بباله صلى الله عليه وسلم، فكيف يتجدد لها هوىً لم يكن، حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهذا كله يدل على بطلان القصة، وأنها مختلقة موضوعة عليه صلى الله عليه وسلم. (21)

الدليل الرابع: أن الله تعالى بيّن الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب، فقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}، وهذا تعليل صريح بأن الحكمة هي قطع تحريم أزواج الأدعياء، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة، صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها، التي كانت سبباً في طلاق زيد لها، كما زعموا، ويوضحه قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا}؛ لأنه يدل على أن زيداً قضى وطره منها، ولم تبق له بها حاجة، فطلقها باختياره. (22)

المذهب الثاني: قبول هذه الروايات واعتمادها، وجعلها سبباً في نزول الآية.

ويرى أصحاب هذا المذهب: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيداً لما أخبره أنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول، وعصيان أمر، وأذىً باللسان، وتعظماً بالشرف، قال له: اتق الله فيما تقول عنها، و أمسك عليك زوجك. وهو يخفي الحرص على طلاق زيدٍ إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف، قالوا: وخشي النبي صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا. (23)

وهذا المذهب روي عن: قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعكرمة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومقاتل، والشعبي (24)، وابن جريج (25).

وهو اختيار: ابن جرير الطبري، والزمخشري، والبيضاوي، وأبي السعود، وابن جزي، والعيني، والسيوطي. (26)

قال ابن جرير الطبري: «ذُكِر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب بنت جحش فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقي في نفس زيد كراهتها، لما علم الله مما وقع في نفس نبيه صلى الله عليه وسلم ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك، وهو صلى الله عليه وسلم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها، واتق الله، وخفِ الله في الواجب له عليك في زوجتك، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها، لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبدٍ ما تخفي في نفسك من ذلك، {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس أمر رجلاً بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس».أهـ (27)

أدلة هذا المذهب:

استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه، بأدلة منها:

الدليل الأول: الروايات الواردة في سبب نزول الآية، والتي فيها التصريح بما قلنا.

واعتُرِضَ: بأن هذه الروايات ضعيفة، وليس فيها شيء يصح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير