تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الدليل الثاني: أنه قد روي عن عائشة (28)، وأنس (29) - رضي الله عنهما - أنهما قالا: «لَوْ كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}».

قالوا: وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم وقع منه حبٍ لزينب، وأنه كان يخفي ذلك، حتى أظهره الله تعالى.

واعتُرِضَ: بأن مراد عائشة، وأنس رضي الله عنهما: أن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تزوج زينب، كان سراً في نفسه لم يُطلِعْ عليه أحداً، إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد، وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه لزيد في قوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}، ولما طلقها زيد ورام تزوجها، علم أن المنافقين سيرجفون بالسوء، فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة، وتبليغ خبره، بَلَّغَهُ ولم يكتمه، مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع، ولا نقص مصلحة، فلو كان كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية، التي هي حكاية سِرٍّ في نفسه، وبينه وبين ربه تعالى، ولكنه لما كان وحياً بلغه؛ لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه. (30)

الترجيح

الحق أن هذه القصة مختلقة موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الآية لا يصح في سبب نزولها إلا حديث أنس رضي الله عنه (31)، وهذا الحديث ليس فيه شيء مما ذكر في هذه القصة، فيجب الاقتصار عليه، وطرح ما سواه من الروايات الضعيفة.

ومما يدل على وضع هذه القصة:

الدليل الأول: أنها لم تُروى بسند متصل صحيح، وكل الروايات الواردة فيها، إما أنها مرسلة، أو أن في أسانيدها ضعفاء ومتروكين.

الدليل الثاني: تناقض روايات هذه القصة واضطرابها، ففي رواية محمد بن يحيى بن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يطلب زيداً في بيته، وأن زينب خرجت له فُضلاً متكشفة، وأما رواية ابن زيد ففيها أن زينب لم تخرج إليه، وإنما رفعت الريح الستر فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم، وتأتي رواية أبي بكر بن أبي حثمة فتخالف هاتين الروايتين وتدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها، فأذنت له ولا خمار عليها، وهذا الاضطراب والتناقض بين الروايات يدل دلالة واضحة على أن القصة مختلقة موضوعة.

الدليل الثالث: أن هذه الروايات مخالفة للرواية الصحيحة (32) الواردة في سبب نزول الآية، والتي فيها أن زيداً جاء يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم زينب، ولم تذكر هذه الرواية شيئاً عن سبب شكواه، وهي صريحة بأنه جاء يشكو شيئاً ما (33)، وأما تلك الروايات الضعيفة فتدعي أن زيداً عرض طلاقها على النبي صلى الله عليه وسلم نزولاً عند رغبته، لما رأى من تعلقه بها، وهذا يدل على ضعف هذه الروايات ووضعها.

الدليل الرابع: أن هذه الروايات فيها قدح بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، ونيل من مقامه الشريف، فيجب ردها وعدم قبولها، وتنزيه مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه الأكاذيب المختلقة الموضوعة.

الدليل الخامس: أن الآيات النازلة بسبب القصة ليس فيها ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب رضي الله عنها، وقد تقدم وجه دلالتها على هذا المعنى، في أدلة المذهب الأول، والله تعالى أعلم.

=================

هوامش التوثيق

=================

(1) قائل هذه العبارة: هو مؤمل بن إسماعيل، أحد رواة الحديث.

(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 149) قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت، عن أنس .... ، فذكره.

وهذا الحديث فيه ثلاث علل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير