بارك الله فيكم أخي الكريم على ما تفضلتم به، وليس في الأمر حساسية مطلقاً فكلنا نتعلم، وقد راجعتُ ما كتبته أولاً فوجدته واضحاً ولكن لا بأس بزيادة الإيضاح. وسأذكر بعض المصادر التي تفيد في الموضوع وأرفق بعضها لينتفع بها القارئ المتابع.
الفسق في اللغة هو الخروج مطلقاً، فالخروج اليسير يسمى فسوقاً لغة وشرعاً، والخروج الكثير يسمى فسقاً لغة وشرعاً.
ومفهوم الفسق أعم من مفهوم الكفر فيقال للعاصي:فاسق وللمنافق فاسق وللمشرك فاسق وللكافر فاسق لخروجهم عما الزمه العقل واقتضتهالفطرة وهى على نوعين: فسق اعتقاد وفسق عمل.
- يأتي الفسق بمعنى الكفر بحسبالأسباب الموجبة له من التكذيب بالرسل والتحريف والتبديل في الكتب السابقة والكفربرسالة محمد واليوم الآخر. واتباع شرع غير شرع الله واتباع الحيل في استحلال ماحرم الله سبحانه والكفر بالقرآن العظيم.
- ويأتي بمعنى الشرك بسبب الاستقسامبالأزلام والذبح لغير الله تعالى وصرف العبادة للشركاء من دونه سبحانه وتعالى.
- وصف سبحانه وتعالى المنافقين بالفسق لما يتصفون به من صفات قبيحه وخصال ذميمة:كالكذب في الحديث وخلف الوعد وخيانة الأمانة ونقض العهد وقطع ما أمر الله به أنيوصل والإفساد في الأرض والنهي عن المعروف والأمر بالمنكر ومولاة الكافرين والتخلفعن الجهاد.- وأحياناً يأتي الفسق بمعنى العصيان من مثل إتيان المعاصي أثناء الإحرام بالحج وفعل الفواحش وعمل الخبائث وكفران النعمة والقذف والتنابز بالألقاب واحتقار الناس.
وقد عرف ابن عطية الفسق في الاصطلاح فقال: (الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله ـ عز وجل ـ فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان) [تفسير ابن عطية 1/ 55].
قال الشوكاني معلقاً على هذا التعريف: (وهذا هو أنسب بالمعنى اللغوي، ولا وجه لقصره على بعض الخارجين دون بعض).
وقال الألوسي: (الفسق شرعًا: خروج العقلاء عن الطاعة، فيشمل الكفر ودونه من الكبيرة والصغيرة، واختص في العرف والاستعمال بارتكاب الكبيرة، فلا يطلق على ارتكاب الآخرين إلا نادرًا بقرينة).
وغالب استعمال القرآن للفسق في ارتكاب الكبيرة ولذلك قال الأصفهاني في مفرداته: (والفسق يقع بالقليل من الذنوب والكثير، ولكن تعورف فيما كان كثيراً).
وكل هذا لا يعني - ولا أظنه يفهم من الكلام السابق في هذه المشاركة وفي التي قبلها - أنني أرى ترادف عبارات الكفر والفسق والظلم والعصيان، بل بينها اختلاف قطعاً كما ذكر أخي د. نعيمان، والسياق هو الذي يحدد المعنى الدقيق لكل مفردة منها، فإذا انفردت لها معنى، وإذا اجتمعت في مثل آية سورة الحجرات يكون لكل منها معنى دقيق يخصها والله أعلم.
ومرتكب كل صغيرة فاسق بقدر الذنب الذي ارتكبه، فالفسق درجات والكفر درجات، والنفاق درجات، كما إن الإيمان درجات كذلك.
وأما مقياس أشد الخروج هو الشرك والكفر فهو أشد المعاصي بدليل قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فدل على أن أعظم الذنوب الشرك بالله، والكفر به.
وأنصح بقراءة رسالة للدكتور عبدالعزيز عبداللطيف أرفقتها مع الموضوع ففيها زيادة إيضاح واستدلال.
** من الأبحاث التي دارت حول الموضوع:
1 - حديث القرآن عن الفسق وصوره للأستاذ الدكتور شافع ذيبان الحريري، وهو منشور بمجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت، العدد 46 السنة 16 سبتمبر 2001م.
2 - الفسق والنفاق، للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف، وهي رسالة صغيرة صدرت عن دار الوطن بالرياض، وهي رسالة قيمة وفيها فوائد مهمة، وقد أرفقتها لكم في المشاركة فهي منشورة في موقع الشيخ على ملف وورد.
3 - الأحكام المترتبة على الفسق في الفقه الإسلامي، للباحث فوفانا آدم، وهي رسالة ماجستير صدرت عام 1425هـ عن دار المنهاج بالرياض.
4 - أثر الفسق في الأحكام الفقهية الشرعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة للباحثة إيمان خميس محمد، في تخصص الفقه بالجامعة الأردنية.
5 - الفسق وآثاره في القرآن الكريم، بحث ماجستير غير مطبوع للباحث بسام محمد عبيدات بجامعة آل البيت بالأردن.
6 - حكم ولاية الفاسق (بحث فقهي مقارن) تأليف الدكتور: عبد الفتاح محمود إدريس.
7 - فسق الأعمال أحكامه ودلالاته الشرعية، للباحث عبدالله العسكر، وهي رسالة ماجستير في جامعة الخرطوم، طبعتها دار طيبة للنشر بالرياض.