[سورة الجمعة]
ـ[أبو علي]ــــــــ[17 Nov 2006, 09:05 ص]ـ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أليم، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الآيتان 10 و 11 من سورة الصف.
الآيتان وما بعدهما إلى آخر سورة الصف عبارة عن هداية دلالة ترشد المؤمنين إلى شيء فيه خير لهم.
إذا أردنا أن نعرف ماذا سيأتي من كلام لله بعد سورة الصف فإن علينا نحسن التدبر في آيات سورة الصف.
الآية 10 و 11 تماثل النصيحة عند البشر، إذا نصحني إنسان فقال لي: يا فلان هل أدلك على تجارة تكسب منها الملايين؟ تضارب بأموالك في البورصة ذلك خير لك من وظيفتك.
فما هو التصرف الحكيم؟
التصرف الحكيم هو أنه لا بد من ضمانات تطمئن لها نفسي، وأهمها هي: نزاهة الناصح حيث يجب أن يكون ذا علم بهذه التجارة (والعالم بالتجارة هو الذي يحكم إن كانت رابحة أو خاسرة)، وأن يكون منزها عن أن تكون له مصلحة شخصية أو أن يغشني أو يريد لي الخسارة.
وكيف أعلم نزاهته إذا لم أكن قد تعاملت معه من قبل؟!
إذن فخير ما يثبت نزاهته هو أن يكون له فضل علي في تعاملي معه من قبل في قضايا مشابهة تبين لي من خلالها أنه رجل نزيه وحكيم (ذو علم في هذا المجال) وأنه (هو) الذي كان له الفضل في كذا وكذا ...
إذن ف (النزاهة) مبنية على ما سبق من (فضل) للناصح على المنصوح.
وهذا الناصح الذي يدلني على الخير إن كان يحبني وتهمه مصلحتي فإنه يؤكد لي أنه (منزه) عن أن يغشني و (منزه) عن أن تكون له مصلحة,,, ويذكرني بأنه (هو الذي) كان له (الفضل) علي في قضية مشابهة لهذه ...
إذن فالحكمة تقتضي أن تلي سورة الصف سورة تفتتح ب (التنزيه) والتذكير ب (الفضل).
لنرى الآن ما جاء في سورة الجمعة:
التنزيه: ((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)).
الفضل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ • وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ •
هذا هو الفضل العظيم الجدير بالذكر لذلك أكد عليه بقوله: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
وبما أن الخطاب (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) موجه إلى كل المؤمنين إلى أن تقوم الساعة، فإن من الحكمة ألا يقتصر التذكير بفضل الله على الأولين فقط وإنما يشمل التذكير كل من يعنيه الأمر إلى أن تقوم الساعة (الأولين والآخرين)، فقال تعالى: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)، وقد يكون نصيب الآخرين من فهم الكتاب والحكمة أكبر من نصيب الأولين لقرب اللفظ (فضل الله) كتابة من (آخرين منهم)، فقد جاء ذكر (فضل الله) مباشرة بعد (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ... ) بينما تفصله عن (الأولين = الأميين) آية تتكون من 8 كلمات.
عرفنا الحكمة من افتتاح سورة الجمعة بالتسبيح (التنزيه) والحكمة من ذكر (الفضل) في الآية 2 و 3، والتأكيد على ذكره في الآية 4.
ما الحكمة من ذكر اليهود بعد ذلك وأنهم كمثل الحمار يحمل أسفارا وأنهم يحبون الحياة ويفرون من الموت؟
الجواب: لأن من كانت هذه أوصافه فإنه بعيد كل البعد عن أن يمتثل لأمر الله في الآية 11 من سورة الصف (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ).
والحكمة تقتضي التحذير من الخاسرين، مثلا:
إذا نصح الأب أبناءه ليسلكوا سبل النجاح وكان له ابن لم يسمع كلامه ولم يلتف إلى نصائح أبيه فإن الأب يحذر أبناءه الآخرين من الحدو حدوه لكي لا يرسبوا مثله في الامتحان، فلو كان هذا الابن صادقا في ادعاءه أنه لا يحتاج إلى مذاكرة دروسه لتمنى الامتحان اليوم قبل الغد، لكن الكسلاء لا يتمنون الامتحان لأنهم سيفشلون في اجتيازه، فكان من الحكمة أن يضرب الله المثل بعد ذلك باليهود: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار ...
وبعد الانتهاء مما يتطلبه مقتضى الكلام من تطمين للمأمور وتذكيره بفضله وتحذيره من الاقتداء بأخيه الذي ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن العمل، بعد هذا كله يدخل في الموضوع ويبين للذين آمنواالوسيلة إلى تلك التجارة التي تنجيهم من عذاب أليم، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ,
خطب الجمعة يتعلم منها المسلمون أمور دينهم تذكر الغافلين بقضايا الدين وواجباته فيخرج بانطباع إيماني عن علم بفضل الجهاد بالمال والنفس، وكذلك لأن الله لم يخاطب المؤمنين فرادى،فالجهاد في سبيل الله يفرض لزوم الجماعة، وصلاة الجمعة هي وسيلة الإعلام الأولى في الإسلام.