تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أبحاث في الجملة القرآنية من حيث المبنى (5)]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[07 Jan 2007, 03:03 ص]ـ

4 - أسلوب المدح والذم:

قد يستخدم التعبير أنواعاً من التحويلات ولا سيما الاختيارية منها بحيث تصبح هذه التحويلات مميزاً أسلوبياً؛ لأن هذا الاختيار دون غيره إنما هو في الأصل استغلالٌ لطاقات اللغة الكامنة في النظام اللغوي بتحويلات معينة (1)

فالعلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة فيما يتصل بالتراكيب يمكن استغلالها أسلوبياً، وذلك في التراكيب المحوّلة عن بنية عميقة واحدة، حيث نجد أن هذه التراكيب المحولة تظل تحتفظ بعلاقتها بالتراكيب العميقة ومن ثم نستطيع أن نفسر كيف تتحول عدة تراكيب سطحية إلى بدائل أسلوبية (2).

يقول محمد رشيد رضا:وههنا قاعدة عامة قائمة في البلاغة … وهي أن ما يراد تنبيه السمع أو اللحظ إليه من المفردات أو الجمل يميز على غيره إما بتغير نسق الإعراب في مثل الكلام العربي مطلقا ً ..... (3).

وكأن هذا الكلام حديث عن مثل قوله تعالى: ( ... وامرأته حمالة الحطب) (اللهب: 4) فـ (نصب (حمالة) على الشتم والذم أي: أذم حمالةَ الحطب …) (4)، (وحمالة في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف أو صفة …. وفي قراءة النصب انتصب على الذم …) (5) وهذه هي قراءة المصحف وقد خالفت قراءة الجمهور في الإعراب تبعاً لتغير أسلوبها من الخبر المحض إلى الذم وأما قراءة الجمهور فقد جاءت للإخبار عنها، وقد ذكر مكي بن أبي طالب أن هذه المرأة كانت قد اشتهرت بالنميمة فجرت صفتها على الذم لها لا للتخصيص، وفي الرفع ذمٌ ولكنه في النصب أبين، لأنك إذا نصبت لم تقصد إلى أن تزيدها تعريفاً وتبيناً، إذ لم تجرِ الإعراب على مثل إعرابها، وإنما قصدت إلى ذمها لا لتخصيصها عن غيرها بهذه الصفة التي اختصتها بها وعلى هذا المعنى يقع النصب في غير هذا على المدح (6)، ومن هذا قوله تعالى:] والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين بالبأساء [(البقرة: 177) فـ (الصابرين) كان حقها الرفع عطفاً على الموفون ولكن التحويل هنا ولدّ بديلاً أسلوبياً كان العامل في تحويل الأسلوب من الإخبار إلى المدح وفي هذه المغايرة التي يشي أسلوبها بتباينٍ ما بين المتعاطفين (والموفون والصابرين) ملحظ أدبي رائع، وهو أن الذي يعاهد ويوفي لا فضيلة له لأنه إنما فعل واجباً عليه غير أن الصبر على البأساء موجب مدح لأنه صبر على ما لا يد له فيه فالمغايرة الأسلوبية هنا أدت إلى تغير الأسلوب وبما يتلائم مع الموقف المتحدث عنه.

5 - العدول في الإجابة أو السؤال:

قد يؤتى أحياناً بما هو خلاف المقتضى لغاية بلاغية ولملحظ فني ما كان ليتحقق لو لم يستخدم هذا الأسلوب كما في قوله تعالى: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها) (النازعات: 46) فالآية جواب عما تضمنه قوله تعالى:] يسألونك عن الساعة أيان مرساها [(النازعات: 42) باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى التكذيب بوقوعها فأجيبوا على طريقة ما سمّاه البلاغيون (الأسلوب الحكيم) وهو: (تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أنه الأولى بالقصد، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم له) (7) أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وإنهم يوم وقوعها كأنهم ما لبثوا في انتظارٍ إلا بعض يومٍ (8) فهذا عدول عن جواب لآخر أثبت ما سئل عنه من خلال تصوير حالة السائل بعد الوقوع، فالجواب متضمن معنى السؤال وزيادة، وقد يكون العدول في السؤال كما في قوله تعالى:] وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنبٍ قتلت [(التكوير: 9) فالموؤدة تسأل ويقال لها ماذا عملت لدرجة أن أباكِ وأدكِ؟ ليكون هذا السؤال تقريعاً للأب بأنه لا يصح أن يعتدي عليها أبداً إلا إذا ارتكبت ذنباً، ففي تقريرها بالذنب الذي لم تعمله هي - وحيث لا ذنب - فسيكون المعنى أنه يقول له: إنك اجترأت عليها بدون ذنب تستحقه فيكون في هذا تقريع على اعنف صورة من صور المحاسبة أو استحضار الصورة المؤلمة للرجل الذي وأد ابنته وهي أمامه، وبعد ذلك سألها الله وهو واقف فيعيد عليه الصورة ويعيد عليه المنظر (9) (وإنما سألت عن تعيين الذنب الموجب قتلها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير