تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دراسة ما ذهب إليه ابن القيم وابن كثير في معنى قول الله: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[20 Nov 2006, 08:20 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

اختار ابن القيم رحمه الله أن قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} من جنس آية المباهلة، وأن معناها: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب.

والقول الآخر في معنى الآية: إن كنتم صادقين في دعواكم فتمنوا الموت لأنفسكم.

قال ابن القيم رحمه الله: (قال الله تعالى: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}:

قلت: هذه الآية فيها للناس كلام معروف.

قالوا: إنها معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم أعجز بها اليهود، ودعاهم إلى تمني الموت، وأخبر أنهم لا يتمنونه أبدا ً. وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن الاطلاع على بواطنهم إلا بأخبار الغيب. ولم ينطق الله ألسنتهم بتمنيه أبداً.

وقالت طائفة: لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته؛ كذبهم الله في دعواهم وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت لتصلوا إلى الجنة دار النعيم؛ فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه. ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه، فقال) ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم (.

وقالت طائفة -منهم محمد بن إسحاق وغيره- هذه من جنس آية المباهلة، وأنهم لما عاندوا، ودفعوا الهدى عياناً، وكتموا الحق دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه؛ وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري - والتمني سؤال ودعاء - فتمنوا الموت، وادعوا به على المبطل الكاذب المفتري.

وعلى هذا فليس المراد: تمنوه لأنفسكم خاصة كما قاله أصحاب القولين الأولين؛ بل معناه: ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل. وهذا أبلغ في إقامة الحجة وبرهان الصدق، وأسلم من أن يعارضوا رسول الله بقولهم: فتمنوه أنتم أيضاً إن كنتم محقين أنكم أهل الجنة لتقدموا على ثواب الله وكرامته. وكانوا أحرص شيء على معارضته، فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله.

وأيضاً فإنا نشاهد كثيراً منهم يتمنى الموت لضره وبلائه، وشدة حاله. ويدعو به. وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة. فإن هذا لا يكون أبداً. ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ألبتة؛ وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه، وكفرهم به حسداً وبغياً؛ فلا يتمنوه أبداً لعلمهم أنهم هم الكاذبون.

وهذا القول: هو الذي نختاره. والله أعلم بما أراد من كتابه.) ([1])

الدراسة:

القول المشهور في معنى قول الله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} هو قول الطائفة الثانية التي ذكرها ابن القيم في كلامه السابق، وهو: أنه لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته؛ كذبهم الله في دعواهم وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت لتصلوا إلى الجنة دار النعيم؛ فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه. ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه، فقال: {ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم}.

وهذا القول قاله قتادة ([2])، وأبو العالية ([3])، ومقاتل ([4])، وعليه أكثر المفسرين؛ وهذا بيان مسالكهم في ترجيحه:

من المفسرين من اقتصر عليه، ولم يذكر في معنى الآية غيره؛ ومن هؤلاء:الزجاج ([5]) والماوردي ([6])،والواحدي في الوجيز والوسيط ([7])،والسمعاني ([8])، والبيضاوي ([9])،والنسفي ([10]) وابن جزي ([11])، والشوكاني ([12])، والطاهر ابن عاشور ([13])، وغيرهم.

ومنهم من ذكر القولين، ودل كلامه على ميله للقول المشهور كابن جرير ([14]).

ومنهم من ذكرهما وقدم هذا القول وذكر القول الآخر بصيغة التمريض كالبغوي ([15]) والقرطبي ([16]).

ومن المفسرين من أشار إلى أن القول المشهور هو الأقرب إلى موافقة اللفظ كالقاسمي ([17]).

ومنهم من ذكر أن هذا القول هو ما يدل عليه ظاهر الآية، وأن القول الآخر مخالف لظاهر السياق فلا يعول عليه كابن عثيمين ([18]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير