الاستفادة من قراءة ابن مسعودلقول مجاهد: لَوْ كُنْت قَرَأْت قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعود
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[11 Dec 2006, 02:58 م]ـ
قَالَ الترمذي: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ((لَوْ كُنْت قَرَأْت قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا سَأَلْت)).
إن في هذا الأثر العزيز الوارد عن مجاهد مسائل علمية تحتاج إلى تفكيك:
الأولى: أنَّ قراءة ابن مسعود بقي شيء منها مرويًا بعد اتفاق الصحابة على ما في مصحف عثمان رضي الله عن الجميع.
الثانية: أن مجاهدًا يرى أن ما نُسِب إلى ابن مسعود قراءة، وليس تفسيرًا؛ لذا قال: ( ... قرأت قراءة ابن مسعود).
الثالثة: أن قراءة ابن مسعود وما في حكمها يستفاد منها في بيان معاني القراءات المعتبرة المتفق عليها، وهكذا فعل إمام التابعين كما سيأتي في الأمثلة عنه.
، ولما كنت قد وقفت على هذ النص عن مجاهد؛ اجتهدت في تتبع تفسير مجاهد لعلي أظفر بمصداق قوله هذا، فوقفت على بعض أمثلة تدل استفادته في تفسيره للقرآن من قراءة ابن مسعود، وإليك هذه الأمثلة:
المثال الأول: قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن رجل، عن الحكم قال: قال مجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: "أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ".
المثال الثاني: قال الطبري: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: في قراءة ابن مسعود: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا)، قال:"الهدى" الطريق، أنه بين.
المثال الثالث: قال الطبري: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد، قال: كنا نرى أن قوله: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود (إن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا).
تذييل رقم (1)
لقد استفاد قتادة من قراءة ابن مسعود أيضًا، وهو من المكثرين في نقل قراءته، ومن أمثلة استفاداته:
1 ـ قال عبد الرزاق قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم) قال: ((في حرف ابن مسعود وقالوا ولبثوا يعني أنه قاله الناس ثلاث مائة سنة وازداوا تسعا ألا ترى أنه يقول: (قل الله أعلم بما لبثوا))).
2 ـ قال عبد الرزاق قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: (ونرثه ما يقول) قال: ما عنده، وهو قوله: (لأوتين مالا وولدا) وفي حرف ابن مسعود: (ونرثه ما عنده))).
3 ـ قال عبد الرزاق قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: (بحور عين) قال: بيض عين، وفي حرف ابن مسعود: (بعيس عين))).
تذييل رقم (2):
ومن تتبع وجوه الاستفادة من قراءة ابن مسعود، وجد أمثلة في ذلك: من ترجيح قراءة، أو توجيهها، أو توجيه معنى تفسيري، أو ترجيحه أو غير ذلك من وجوه الاستفادات، ومن أمثلة ذلك من خلال تفسير الطبري:
1 ـ قال الطبري: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: ((في قراءة ابن مسعود: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا)، قال:"الهدى" الطريق، أنه بين.
وإذا قرئ ذلك كذلك، كان"البين" من صفة"الهدى"، ويكون نصب"البين" على القطع من"الهدى"، كأنه قيل: يدعونه إلى الهدى البين، ثم نصب"البين" لما حذفت"الألف واللام"، وصار نكرة من صفة المعرفة.
وهذه القراءة التي ذكرناها عن ابن مسعود تؤيد قول من قال:"الهدى" في هذا الموضع، هو الهدى على الحقيقة)).
2 ـ قال الطبري: ((واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) على وجه الخبر من موسى عن الذي جاءت به سحرة فرعون، أنه سحرٌ. كأن معنى الكلام على تأويلهم: قال موسى: الذي جئتم به أيّها السحرة، هو السحر.
وقرأ ذلك مجاهد وبعض المدنيين البصريين: (مَا جِئْتُمْ بِهِ آلسِّحْرُ) على وجه الاستفهام من موسى إلى السحرة عما جاؤوا به، أسحر هو أم غيره؟
¥