[مشكلة كيفية التعامل مع الأقوال التفسيرية المختلفة في التفاسير المختصرة]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[05 Jan 2007, 08:20 م]ـ
ذكرت في مشاركة سابقة أمرًا يتعلق بتفسير المفردة القرآنية في كتب التفاسير المختصرة، واليوم أذكر أمرًا آخر يتعلق بكيفية التعامل مع الاختلاف في التفسير في سبك العبارة الدالة على الاختلاف في كتب التفسير المختصِرة ـ فأقول:
إن من أصعب ما يواجه من يكتب مختصرًا في التفسير = كيفية التعامل مع الأقوال التفسيرية المختلفة، وهذه الصعوبة قد تخلص منها ـ في بعض الأاحيان ـ من اعتمد ذكر أكثر من قول من أقوال المفسرين؛ كتفسير (جامع البيان في تفسير القرآن) لمحمد بن عبد الرحمن الأيجي (ت: 894)، وهو من التفاسير المختصرة النفيسة التي تعمد إلى ذكر الأقوال والأعاريب وبعض النكات واللطائف، وقد استفاد كثيرًا من تفسيرات الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن تفسير البغوي، والتفسير الوسيط للواحدي، وتفسير ابن كثير، وتفسير النسفي، والكشاف للزمخشري مع بعض شروحه، وتفسير البيضاوي، وقد وصف كتابه فقال: (فللمبتدي حظ كثير من هذا التفسير، وللعالم حظوظ).
ومن أمثلة سرده للأقوال باختصار تفسيره لقوله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت، قال: ((إذا الشمس كورت: جُمع بعضها إلى بعض فَتُلَفُّ، أو أظلمت، أو أُذهِبَت ومُحِيت أو أُلقِيت في جهنم. والأَولى أن يكون رافع الشمس فعلاً مضمرًا يفسره ما بعده لأن (إذا) طالب للفعل.
(وإذا النجوم انكدرت): تناثرت وتساقطت من السماء إلى الأرض، أو تغيرت فلم يبق لها ضوء).
ولا شك أن الاختصار لا يحتمل أكثر من هذا، كبيان أصحاب القول، وعلل أقوالهم، والترجيح بينها مع بيان علة الترجيح، فذلك في مطولات التفسير لا في مختصراته.
ومثل هذا الكتاب فرصة للأستاذ في إيفاء الشرح والتفصيل، والتعليل للأقاويل، والتنبيه على الراجح منها من غيره، وبيان الأعاريب والنكات واللطائف والاستنباطات والفوائد العامة، إذ الاختصار مظنةٌ لزيادة العالم لطلابه أثناء الدرس؛ لذا حرص العلماء على تفسير البيضاوي والجلالين لما فيهما من متانة العبارة واختصارها، ولحاجتهما للشرح والبيان والتفصيل.
أعود فأقول: إذا كانت بعض المختصرات التي اعتمدت ذكر الاختلافات على سبيل الاختصار أيضًا قد تخرج من هذه المشكلة؛ فإن مختصرات أخرى لابدَّ أن تسلك منهجًا واضحًا في الاختيار في هذا المختصر، وإلا وقع المختصِر في مشكلة المواءمة بين الأقوال المختلفة، فالواحدي (ت: 468) في كتابه (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) قد اعتمد الاختصار جدًّا، حتى يكاد أن يكون مخلاًّ في بعض المواطن، وقد اعتمد القول الواحد في أغلب هذا المختصر النافع، فقال: ( ... وتاركٌ ما سوى قولٍ واحدٍ لابن عباس ـ رحمه الله ـ أو من هو في مثل درجته)، وقد قال في تفسير الآيتين السابقتين: ({إذا الشمس كورت} ذهب ضوؤها. {وإذا النجوم انكدرت} تساقطت وتناثرت).
وفي هذا التفسير اختيار لأحد الأقوال ـ كما ترى ـ دون تعليل للاختيار، ولا تنبيه على وجود اقوال أخرى في معنى الآيتين.
وإذا نظرت في تفسيرين مختصرين معاصرين (المنتخب في تفسير القرآن، والتفسير الميسر) فإنك ستجد تفسير هاتين الآيتين كالآتي:
قال أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم (إذا الشمس لُفَّتْ ومُحِىَ ضوؤها. وإذا النجوم انطمس نورها).
وقال أصحاب التفسير الميسر: (إذا الشمس لُفَّت وذهب ضَوْءُها، وإذا النجوم تناثرت، فذهب نورها).
فاتفق التفسيران في تفسير الآية الأولى، وأشارا إلى معنيين من المعاني الواردة في تفسير لفظ (التكوير) وتركا المعنى الثالث، وهو (الإلقاء أو الرمي).
واقتصر أصحاب المنتخب في الآية الثانية على أحد المعنيين للآية، وزاد أصحاب التفسير الميسر المعنى الثاني.
والمقصود أن من ينحو إلى كتابة تفسير مختصر، فإنه يحتاج إلى معالجة أسلوب الكتابة في حال وجود الاختلاف، ويمكن أن يقال:
1 ـ إن كان الاختلاف من قبيل اختلاف التضاد، فالأمر واضح، إذ المفسر سيختار القول الصحيح دون القول الخطأ أو الضعيف.
¥