[كهيعص و طه]
ـ[أبو علي]ــــــــ[10 Oct 2006, 10:04 ص]ـ
الحمد لله العزيز الحكيم
قال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
لا شك أن الآيات المذكورة هي على إطلاقها، أي كل آيات القرآن بما فيها الآيات التي هي عبارة عن حروف مقطعة.
اخترت لكم اليوم الفاتحة (كهيعص) و (طه).
أولا: كهيعص.
تدبر الآية (كهيعص) يقتضي ربطها بما قبلها لنعلم مناسبتها مع ما ختمت بها سورة الكهف، ولتتبين لنا الحكمة في وضع الآيات في موضعها الذي ينبغي أن توضع فيه.
ماذا قال الله في ختام سورة الكهف؟
قال سبحانه وتعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110).
هذا ما ختم الله به سورة الكهف، فما هو مدلول الآيات 107، 108، 109، 110 من سورة الكهف؟
الآيتان 107، 108: كلام خبري، والآيتان 109، 110: كلام إنشائي طلبي يحث على الصلاح، فقبل الحث على فعل شيء وجب الإخبار أولا عن مزايا ومحاسن هذا الشيء.
مثلا: قبل أن ينصح الأب ابنه بوجوب مذاكرته لدروسه ليكون من الناجحين فإنه يذكر له أولا مزايا ومحاسن النجاح كأن يقول له: يا بني إن الناجحين هم الذين يكون لهم مستقبلا زاهرا ...
فإذا كان لهذا الأب أبناءا كبارا نجحوا في حياتهم فإنه من الحكمة أن يذكر ابنه الصغير بما آل إليه إخوته من نجاح في حياتهم لتشجيعه وطمأنته وذلك بفضل مساندة أبيهم وتوفيره لهم كل أسباب النجاح ...
كذلك الحال هنا، فبعد ذكر محاسن الصلاح (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) وحثه على الصلاح (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) فإنه من الحكمة أن يذكر نماذج من الصالحين الذين كانت لهم جنات الفردوس نزلا مع ذكر فضل الله عليهم (رحمته)، ورحمة تخلد صاحبها في جنات الفردوس لا تعتبر مجرد (رحمة) بل هي (رحمت) عظمى يجب أن تتميز رسما (بتاء مفتوحة)، والرحمة العظمي هي الأجدر بالذكر.
إذن فالرحمة العظمى التي تستحق الذكر هي الصلاح، والصلاح مبني على العلم (علم الصلاح من الفساد فاختار الصلاح)، والعلم لم يأت به من عند نفسه وإنما هو هدى من الله، و كيف كان هذا الهدى؟ هل هو إلهام من الله أم هو كتاب أنزله الله؟، إنه كتاب أنزله الله.
إذن فالصلاح لا يكون إلا عن علم، والعلم ليس ذاتيا وإنما هو هدى من الله، والهدى كتاب من عندالله.
إذن فالفضل في صلاح الإنسان يعود إلى كتاب الله، فالكتاب هو الأجدر بالذكر أولا فهو الذكر نفسه (حكمة ومنطقا)، أما حكمة فإن الله قال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وأما المنطق فإن خير وسيلة لتذكر أي شيء هي كتابته.
إذن فإن كانت رحمة تستحق الذكر والامتنان بها على الصالحين فينبغي أن تكون هي: الكتاب، ومضمونه (الهدى)، والنتيجة المستفادة منه (العلم والصلاح).
وترتيب هذه الرحمات ينبغي أن يكون كالآتي: 1) الكتاب، 2) الهدى، 3) العلم، 4) الصلاح.
هذا ما توصلنا إليه بتدبرنا للآيات التي ختمت بها سورة الكهف، فهل تلتها سورة أتى الله فيها بنماذج من الصالحين وذكر رحمته عليهم التي هي: الكتاب والهدى والعلم والصلاح؟
نعم، فالسورة التي تلت سورة الكهف هي سورة مريم، وهي سورة ذكر الله فيها أمثلة من عباده الصالحين وفضله عليهم، وهؤلاء الصالحون هم: زكريا ويحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم السلام.
¥