تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ملاحظة في تفسير (وكهلاً) في تفسيرين مختصرين معاصرين

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[28 Dec 2006, 09:44 م]ـ

كنت، ولا زلت أنظر في تفسيرات القرآن المختصرة، وأسبر غورها، وأستفيد من مناهجها، ومن طريقة سبك العبارة فيها، ولقد رأيت أن من الصعوبات التي تواجه المختصِر الذي يريد تقريب المعنى للقارئ بعبارة (سهلة موجزة) = سبك التفسير بعبارة واضحة سهلة موجزة، لا يحتاج القارئ بعد قراءتها إلى سؤال عن المعنى.

وقد يحسب بعض طلبة العلم أن سبك التفسير بأسلوب مختصر أمرًا سهلاً، وليس هو كذلك، وإن كان في بعض المواطن ممكنًا بلا عُسرٍ.

وإن من أكبر ما يواجه من يكتب التفسير على وجه الاختصار، مبتعدًا عن ذكر الأقوال، حريصًا على الجمع بينها ما أمكن؛ إن من أكبر ما يواجهه هو سبك هذه الأقاويل بعبارة تدل على هذه الأقوايل، وتُلِمُّ بمعنى الآية إلمامًا واضحًا مفهومًا.

وهناك أمر آخر يرتبط بتفسير المفردة القرآنية، ومنها: أن يكون المراد منها التفسير السياقي لا اللغوي، فيترك المفسِّرُ المعنى اللغوي الذي قد يكون القارئ بحاجة إليه؛ ليعرف وجه القول في التفسير السياقي، أو يكون معنى اللفظ مرتبطًا بعدد يحسن ذكره، كقوله تعالى: (والقمر إذا اتسق) أي إذا كان في ليلة (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر)، وهو ما عبَّر عنه بعضهم: إذا اكتمل، أو إذا صار بدرًا.

والمقصود أننا بحاجة إلى تقعيد أصول للاختصار السهل الذي لا يُخلُّ بالمعنى، ولا يزيد في ألفاظ التفسير عبارات لا داعي لها كبعض العبارات الإنشائية التي يمكن أن يستغني عنها التفسير.

وهذا الموضوع طويل، وهو يحتاج إلى بسط أكثر، وإنما دعاني إليه مثال راجعته في تفسيرين مختصرين متميزين معاصرين:

التفسير الأول: (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) وهو من تأليف لجنة من علماء الأزهر، وقد طبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر.

والتفسير الثاني: (التفسير الميسر)، وهو من تأليف نخبة من العلماء بإشراف معالي الدكتور عبد الله التركي، وقد طبعته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المملكة العربية السعودية.

وهذا المثال هو تفسيرهم للفظ (وكهلاً) الوارد وصفًا لعيسى ـ عليه السلام ـ في موطنين، وقد ورد عنهم الآتي:

الموطن الأول: قوله تعالى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 46).

المنتخب: وميَّزه الله بخصائص، فكان يكلم الناس وهو طفل فى مهده كلاماً مفهوماً حكيماً، كما يكلمهم وهو رجل سوى، من غير تفاوت بين حالتى الطفولة والكهولة. وكان ممن منحهم الله الصلاح.

التفسير الميسر: ويكلم الناس في المهد بعد ولادته, وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد, وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله.

الموطن الثاني: قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (المائدة: 110).

المنتخب: وفى ذلك الوقت ينادى الله عيسى ابن مريم من بين الرسل فيقول له: اذكر ما أنعمت به عليك وعلى أمك فى الدنيا، حينما ثَبَّتُك بالوحى وأنطقتك وأنت رضيع بما يُبَرِّئُ أمك مما اتُّهمت به، كما أنطقتك وأنت كبير بما قد أوحيت إليك

التفسير الميسر: إذ قال الله يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك إذ خلقتك من غير أب, وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالمين, وبرأتها مما نُسِب إليها, ومن هذه النعم على عيسى أنه قوَّاه وأعانه بجبريل عليه السلام, يكلم الناس وهو رضيع, ويدعوهم إلى الله وهو كبير بما أوحاه الله إليه من التوحيد.

وإذا تأملت تفسير (كهلاً) وجدت أن أصحاب التفسير الميسر في الموطن الأول لم يفسروه، بل أعادوا اللفظ القرآني كما هو، والمراد منه غير متبيِّن، وأما في الموطن الثاني فقد اتفقوا مع (أصحاب المنتخب في تفسير القرآن) في كونه يكلم الناس كبيرًا ـ وكذا قال أصحاب المنتخب في الموطن الأول ـ غير أن الوصف بكونه كبيرًا لا يحدد بالدقة وقت الكهولة، فمرحلة المهد معروفة بينة، لكن متى هي مرحلة الكهولة؟

لو سألت بعض طلبة العلم اليوم عنها لقال لك: أي شيخًا كبيرًا، لما جرت عادة الناس من وصف الشيخوخة بالكهولة، والغالب في وصف مرحلة الكهولة دون ذلك السِّن؛ فقيل: ثلاثين سنة، وقيل ثلاث وثلاثين سنة، قال الأزهري: (قيل له حينئذ: كهل؛ لانتهاء شبابه، وكمال قوَّته).

وهذه المرحلة هي ابتداء الكهولة، وإن كان قد يطلق على من فوق هذه إلى الخمسين كهلاً؛ كما ذكر الأزهري قول الشاعر:

هل كهل خمسين إن شاقته منْزلة ... مُسَفَّهٌ رأيهُ فيها ومسبوبُ

قال: فجعله كهلاً، وقد بلغ الخمسين.

، وقال الليث: الكهل الذي وخطه الشيب.

حكى ذلك كله الأزهري في مادة (كهل).

وإذا كان عيسى قد رُفِع ـ كما حُكي ـ وهو في سن الثلاثين أو فويقها ـ فإن الكهولة التي كان يكلم الناس فيها، وهم مشاهدون لها قبل رفعه إنما هي في هذا السنِّ، فلو أضيف إلى قولهم (كبيرًا) عبارة (في السن الثلاثين وفويقها) لكان أوضح لمعنى (وكهلاً)، والله الموفق.

ولعل الله ييسر عودة إلى بعض مشكلات التفاسير المختصرة إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير