تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هل في القرآن لفظ غريب؟ تفضل بالدخول]

ـ[عبدالعزيز العمار]ــــــــ[05 Nov 2006, 04:33 م]ـ

http://tafsir.net/vb/mwaextraedit4/extra/01.png

عند النظر في المعنى اللغوي للفظة الغرابة نجد أن هذه المادة تدل على البعد والغموض، يدل على ذلك قول العرب: أغرب الرجل: أي صار غريباً، وقدح غريب: أي ليس من الشجر التي سائر القداح منها، ورجل غريب: ليس من القوم، والغريب: الغامض من الكلام (1)، وفي المفردات: ((قيل لكل متباعد غريب، ولكل شيء فيما بين جنسه عديم النظير غريب)) (2)، يؤكد ـ ذلك ـ أيضاًـ ما ورد في العمدة، وهو: أن ((وكل ما ورد في معنى غرب يفيد البعد، وإن أُضيف إلى الكلام أفاد الغموض، وعدم القرب إلى الذهن)) (3)، ويُقال: غرَّب: بعُد، ورمى فأغرب: أي أبعد المرمى، وتكلم فأغرب: إذا جاء بغرائب الكلام ونوادره، وقد غمُضتْ هذه الكلمة فهي غريبة (4)، فالغريب في اللغة ما خالف الشائع المألوف، وتباعد عنه. (5)

وقد أشار الخطابي إلى هذه المعاني اللغوية قائلاً: ((الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد على الفهم، كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل، ومنه قولك: للرجل إذا نحيته وأقصيته: اغرب عني، أي ابعد ... ثم إن الغريب من الكلام يُقال به على وجهين: أحدهما: أنه يُراد به أنه بعيد المعنى غامضه، لا يتناوله الفهم إلاَّ عن بعد ومعاناة فكر، والوجه الآخر: أنه يُراد به كلام مَن بعُدتْ به الدار، ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعتْ إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها، وإنما هي كلام القوم وبيانهم)). (6)

فهذه هي معاني هذه اللفظة، وتلك دلالاتها اللغوية، وعندما نتتبع ورود هذه اللفظة في كتب البلاغة نجد أنها تَرِدُ عند البلاغيين في معرض حديثهم عن فصاحة الألفاظ، فقد ذكروا أن فصاحة الألفاظ تكمن في خلوصها من تنافر الحروف، والغرابةِ، ومخالفةِ القياس اللغوي (7)، ويقصدون بالغرابة - كما ذكر الخطيب-: ((أن تكون الكلمة وحشية، لا يظهر معناها، فيُحتاج في معرفته إلى أن يُنقَّر عنها في كتب اللغة المبسوطة)) (8)، ثم جاء شُّراح التلخيص بعد الخطيب فذكروا الأسباب التي دعت إلى غرابتها، يقول التفتازاني: ((والغرابة: كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مأنوسة الاستعمال)). (9)، وثمة أسباب أخرى لغرابة الكلمة ذكروها البلاغيون في كتبهم (10)، وعند إنعام النظر في كلام البلاغيين عن الغرابة نجد أن حديثهم عنها يتلاءم تماماً مع معناها اللغوي، وينبثق عنه.

ويتضح من كلام البلاغيين عن الغرابة أنها صفة في اللفظة تَخلُّ بفصاحتها؛ لكونها غير ظاهرة المعنى، لم يتضح المراد منها؛ ولكونها غير مأنوسة الاستعمال كذلك.

ومن هنا فإن ألفاظ القرآن الكريم تُجلُّ - كلها - وتُنزَّه عن هذا الوصف المنافي للفصاحة، فألفاظ هذا الكتاب العظيم هي الغاية في الفصاحة، وفي الحدِّ الرفيع منه.

وقد أشار إلى هذا الأمر وقرَّره ابن النقيب، فقد ذكر في مقدمة تفسيره الفنونَ التي تتعلق بفصاحة اللفظة، فكان أول ما ذكر (التهذيب)، ثم بيَّن أن المراد به هو: ((تخليص الألفاظ من ثقل العجمية، وهُجْنة الحوشية، وفظاظة النَّبطية، وأن يُترك الكلام عذب المساق، حسن الاتساق، قريباً من فهم السامع، عذب المساغ في اللهوات والمسامع، يدخل الأذن بغير إذن، ويُتصور معناه في العقل بدقيق التدبر، ولطيف التفكر)) (11)، ثم قال - بعد هذا -: ((والقرآن العظيم كله من أوله إلى آخره على هذه المثابة ... قد بسقتْ أشجاره، وعذُبت ثماره، واتسقتْ ألفاظه، واستحكمتْ معانيه، وحسُن رونقه، وعظُمتْ حلاوته وطلاوته، لا تملُّه الأسماع مع كثرة ترداده، ولا تنفر منه الطباع مع إبراقه وإرعاده، بل هو الذي أُحكمتْ آياته، وفُصِّلتْ وكمُلتْ في ألفاظه وحُصِّلتْ، وأُحكمتْ أحكامه وأُصِّلتْ، فهو كما قال الله - تعالى -: {كتاب أُحكمتْ آياته ثم فُصِّلت ... } [هود: 1]، قد سلم من حوشي الألفاظ وَرَذْلها (12)، وتخلص من فظاظة العجمية وثقلها، وكل كلمة منه حلَّتْ محلها، وقُرنتْ بمثلها)). (13)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير