[سؤال للمدارسة: هل يوجد قراءة تفسيرية؟]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[01 Dec 2006, 06:06 م]ـ
[سؤال للمدارسة: هل يوجد قراءة تفسيرية؟]
لا يختلف اثنان في وجود قراءات شاذة كثيرة، والذي يعنيني في هذا المقام ما نُسِب إلى بعض قَرَأَةِ الصحابة أو التابعين؛ كأُبَيِّ بن كعب وابن مسعود والحسن والأعمش وغيرهم.
والملاحظ أن بعض العلماء ذهب إلى تخريج بعض ما ورد عنهم من هذه القراءات المخالفة لما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم؛ ذهب إلى أنها من باب التفسير، وأطلق عليها مصطلح (قراءةً تفسيرية) أو (قراءةً على التفسير) أو (قراءةَ تفسير) أو ما شابه هذه المصطلحات؟
وإليك بعض القراءات التي حُكِم عليها بأنها قراءة تفسيرية:
1 ـ في قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره).
قال أبو حيان: _ (({وهو يحاوره} حال من الفاعل وهو صاحبه المؤمن. وقرأ أُبيّ وهو يخاصمه وهي قراءة تفسير لا قراءة رواية لمخالفته سواد المصحف، ولأن الذي روي بالتواتر {هو يحاوره} لا يخاصمه)).
2 ـ في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر: 21)
قال أبو حيان: ((وقرأ الأعمش: وما نرسله مكان وما ننزله، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف)).
3 ـ في قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) (البينة: 1).
قال ابن العربي: ((الْآيَةُ فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي قِرَاءَتِهَا: قَرَأَهَا أُبَيٌّ: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}؛ وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُنْفَكِّينَ
وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ؛ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ، لَا فِي مَعْرِضِ التِّلَاوَةِ؛ فَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ}، وَهُوَ تَفْسِيرٌ؛ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ مَا كَانَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ.)).
هذه بعض الأمثلة التي ذكر فيها العلماء قراءة بعض الصحابة والتابعين على أنها قراءة تفسيرية، والأمثلة كثيرة، وليس الغرض ههنا سوى التمثيل.
وأقول: هل يصح هذا الإطلاق على هذه القراءات؟
أي: هل هي قراءات شاذة أو هي تفسيرات لهؤلاء القراء من الصحابة والتابعين؟
إن الحكم عليها بأنها (قراءات تفسيرية) فيه نظرٌ؛ لأمور:
الأول: أن الذين أسندوا إليهم هذه القراءة لم يقولوا: (فسَّر فلان)، وإنما يقولون: (قرأ فلان) أو يقولون: (في قراءة فلان)، والحكم بكونها قراءة مطابقة لمنصوص الأثر، والذي رواه أعلم به من غيره.
الثاني: أن بعض هؤلاء الذين نُسِبت إليهم القراءة التفسيرية قد نُقِل عنهم التفسير، كما نقلت عنهم القراءة، وكما لا يصح فيما نُقل عنهم من باب التفسير أن يسمى قراءة، فكذا الحال لا يصحُّ أن ينسب إليهم التفسير فيما حُكِي عنهم أنه قراءة.
الثالث: أن مساعدة هذه القراءات الشاذة في فهم بعض معاني القراءات المجمع عليها لا يعني أنها قراءة من باب التفسير، بل هي قراءة مستقلة، وهذا إمام التابعين في التفسير مجاهد بن جبر يقول: (لَوْ كُنْت قَرَأْت قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا سَأَلْت).
ومن الأمثلة التي تصدق قول مجاهد هذا:
1 ـ روى الطبري بسنده عن مجاهد قال: (كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: "أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ").
2 ـ وروى الطبري بسنده عن مجاهد، قال: ((كنا نرى أن قوله: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود (إن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا).
ولم يرد عن مجاهد ولا غيره ممن هو في طبقته ـ فيما أعلم ـ أنهم حكموا على قراءة ابن مسعود أو غيره بأنها قراءة على التفسير أو قراءة تفسيرية، بل نصوصهم واضحة على أنها قراءة مستقلة، ومن أمثلة ذلك:
¥