[علم السياق القرآني (مفهوم السياق عند العلماء)]
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[18 Jan 2007, 11:41 م]ـ
علم السياق القرآني علم عظيم المنزلة رفيع القدر، وهو من أهم مايوصل للفهم الصحيح لكتاب الله تعالى؛ إذ هو الطريق الأسلم لجعل كلام الله متناسباً منتظماً، وهذا هو الأنسب لكتاب الله المعجز المحكم.
وإن من أعظم ما يبين منزلة هذا العلم أنه مرتبط حقيقة بالقرآن نفسه من حيث إنه تفسير للقرآن بالقرآن، ذلك أنه تفسير للآية بما تضمنه نصها، أو بما سبقها ولحقها من الآيات، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن، بل هو أقوى مراتب هذا النوع، وذلك أن تفسير القرآن بالقرآن قد يكون في محل واحد وسورة واحدة، وقد يفترقان، وأقوى النوعين وأسلمهما ما كان في محل واحد وسورة واحدة، وهذا هو السياق؛ إذ أن السياق هو: (الغرض الذي ينتظم به جميع ما يرتبط بالنص من القرائن اللفظية والحالية).
ومن هنا فيمكن القول بأن السياق أصل من أصول التفسير التي يجب الاعتماد عليها في تفسير كتاب الله تعالى.
قال شيخ الإسلام: "ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبين معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع، في باب فهم الكتاب والسنة" (مجموع الفتاوى 6/ 18).
وإذا علم فضل هذا العلم ومنزلته في التفسير، فإنه من أعظم ما ينبغي على المهتمين بتفسير القرآن ملاحظته ومراعاته. وحيث قد هداني الله وساقني لدراسة هذا العلم وتطبيقه على أعظم سورتين في كتاب الله تعالى وهما سورتا الفاتحة والبقرة، فإنني سأعرض في هذا الملتقى المبارك لخلاصة ماجمعته وتوصلت إليه في الدراسة النظرية إحياءَ لهذا العلم وتعريفاَ به. وأول وقفة لي مع هذا العلم هي بعنوان:
(((مفهوم السياق عند العلماء والباحثين))).
بالنظر إلى أقوال العلماء في تحديد مفهوم السياق نجد أنهم متفاوتون في التعبير عنه، ولنا أن نستعرض شيئاً من أقوالهم في ذلك ليتبين المراد:
قال ابن دقيق العيد":أما السياق والقرائن، فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه" ([1]).
وقال السرخسي ([2]) ":القرينة التي تقترن باللفظ من المتكلم، وتكون فرقاً فيما بين النص والظاهر هي السياق، بمعنى الغرض الذي سيق لأجله الكلام" ([3]).
وقال السلجماسي ([4]) في تعريف السياق بأنه":ربط القول بغرض مقصود على القصد الأول" ([5]).
وقال البناني ([6]) ":السياق هو ما يدل على خصوص المقصود من سابق الكلام المسوق لذلك أو لاحقه" ([7]).
بالنظر لمجموع ماذكر العلماء في تعريف السياق يمكن الخروج بنتيجة واضحة أن السياق مؤلف من عدة عناصر:
أولها: وهو محوره وقطب رحاه وعمدته: الغرض والمقصود ومراد المتكلم.
ثانيها: تآلف الكلام وتتابعه وجريانه على أسلوب واحد.
ثالثها: الظروف المحيطة بالنص، وأحوال المخاطبين فيه.
واستيعاب السياق لهذه العناصر واشتماله عليها هو الذي يوفق بين المعاني المختلفة ويحدد هذا المصطلح العام.
ويمكن أن نخلص إلى تحديد أدق للسياق بناءً على ذلك كله: بأن السياق هو الغرض الذي ينتظم به جميع مايرتبط بالنص من القرائن اللفظية والحالية.
وبهذا الحد يتوافق المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وبه يجتمع اختلاف العلماء والمفسرين في تعريف السياق؛ ولذا فإنه يمكن أن يطلق على عنصر من عناصر السياق بأنه السياق باعتبار أنه جزء منه، وعليه يحمل إطلاق بعض المفسرين للسياق، وغالب إطلاقهم للسياق مقصود به الغرض الذي ورد الكلام لأجله كما تبين من أقوالهم السابقة
وتأييداً لما خلصت إليه في تحديد السياق أذكر ماقرره بعض الدارسين لمفهوم السياق: قال صاحب كتاب دلالة السياق ":وهنا يمكن تلخيص القول في مفهوم السياق في التراث العربي في النقاط الثلاث التالية: الأولى: أن السياق هو الغرض، أي مقصود المتكلم في إيراد الكلام ... الثانية: أن السياق هو الظروف والمواقف والأحداث التي ورد فيها النص أو نزل أو قيل بشأنها، الثالثة: أن السياق هو ما يعرف الآن بالسياق اللغوي الذي يمثله الكلام في موضع النظر والتحليل، ويشمل ما يسبق أو يلحق به من كلام" ([8]).
وقال صاحب كتاب منهج الدرس الدلالي عند الشاطبي":ويمكن نعت بحث الشاطبي لمسألة السياق بأنه مستوعب لمقتضيات الخطاب التي تتطلب النظر في مجموع ما يرتبط به" ([9]).
¥