[معنى العلة (لكي لا نظلم مفسرينا رحمهم الله)]
ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[07 Jan 2007, 05:49 ص]ـ
كثيراً ما توافق القارئ في كتب التفسير وإعجازه وفي كتابات البلاغيين عبارة: (العلة) بمعنى السبب الباعث على اختيار لفظة ما دون أختها ومرادفتها أو الموجب لاختيار تعبير دون آخر، بل شاع اسلوب التعليل في كتبهم حتى لا يكاد تفسير أو كتاب في علوم القرآن أو إعجازه يخلو من مثل هذا التعبير أو مشابهٍ له له نفس دلالته.ففي تفسير الطبري نجده يقول:
فإن قال: وما العلة التي أوجبت عليها الثباتَ على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟
و: وأما وَجْهُ دخول الألف واللام في"السُّفهاء"، فشبيه بوجه دخولهما في"الناس" في قوله: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس)، وقد بيَّنا العلة في دخولهما هنالك، والعلةُ في دخولهما في"السفهاء" نظيرتها في دخولهما في"الناس" هنالك، سواء.
وفي تفسير القرطبي ((1)):
ولا يجوز عند الحذاق من النحويين أن يكتب " يرجو " إلا بغير ألف إذا كان لواحد، لان العلة التي في الجمع ليست في الواحد. و ((2)): كرهوا ضم الضاد في ضيزى، وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو، فكسروا الضاد لهذه العلة
و ((3)): قال الفراء: العلة الجالبة لهذه الواو أن الله تعالى أخبرهم أن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح
وفي تفسير البحر المحيط ((4)): ولا أدري ما العلة في العدول عن جعل أنتم المبتدأ، وهؤلاء الخبر، إلى عكس هذا
و ((5)): العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل، وفي معالم التنزيل ((6)): واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله: (لإيلاف)
وغير هذا كثير.
ولقد تختلف أقوالهم في تعليل التعبير الواحد بعلل شتى، ولما كان تعليل كلام الله القرآن بهذه العلة أو تلك حكمٌ على أن مراد الباري عز وجلَّ ما يقوله المفسر نصاً، وهذا أمرٌ يحتاج للتوقيف للقول به؛ لذلك يستغْرِب بعض من لم يفهم عبارات الأوائل ومقاصدهم من مفسرينا رحمهم الله التساهل في إطلاق مثل هذه العبارات في طيات تفاسيرهم.
الأمر الذي دعاني، في عجالة أرجو أن أعود لإتمامها قريباً، للبحث في معنى العلة عموماً ومن ثم التطرق لمعناها عند أهل كل فنٍ وعلم، مما يدفع هذه الشبهة عن مفسرينا رحمهم الله.
فـ (العِلَّة) لغةً بالكسر: المرض، (عُلَّ الإنسانُ) بالبناء للمفعول: مَرِضَ، (يُعَلّ واعْتلَّ)، ومنهم من يبنيه للفاعل من باب (ضرب)، فيكون المتعدي من باب (قتل) (أعلَّه الله ُتعالى) فهو مُعَلٌّ وعَلِيْلٌ، و (اعْتَلَّ): إذا مرِض، و (رجلٌ عليلٌ): ذو علَّةٍ، و (أعلَّه): جعله ذا عِلَّة، ومنه (إعلالات الفقهاء)، و (اعتلالاتهم)،
و (عللته عللا) من باب (طلب): سقيته السقية الثانية، و (عل هو، يعل) من باب
(ضرب): إذا شرب، و (اعتلَّ): إذا تمسَّك بحجةٍ. ((7)).
وجاء في القاموس المحيط: ((ولا تقل: (معلول)، والمتكلِّمون يقولونها، ولستُ منه على ثَلَجٍ)) ((8)) وجعله النووي لحناً، وأيده السيوطي ((9))، بيد أنَّ صاحب
(المغرب) ينقلها عن شيخه أبي علي ((10))، وفي المصباح: (((أعلَّه الله) فهو:
(معلولٌ)، قيل: من النوادر التي جاءت على غير قياس. وليس كذلك، فإنَّه من تداخل اللغتين، والأصل (أعلَّه الله)، فهو (معل)، أو من (عَلَّه)، فيكون على القياس. وجاء (مُعَلٌّ) على القياس، لكنَّه قليل الاستعمال)) ((11))، وبهذا التقليل يندفع تجويد الحافظ العراقي والسيوطي لـ (معلّ) ((12)).
كما تأتي أيضاً بمعنى (السبب) جاء في لسان العرب: (((هذا علَّة لهذا)، أي: سَبَب ٌ، وفي حديث عائشة: ((فكان عبدُ الرحمن يضرب بِعلَّة الراحلة، أي: بسببها، يُظْهِرُ أنَّه يَضْرِب جَنْبَ البعير برجله وإنَّما يضْربُ رجلي ... ا. هـ ((13)))) ((14))، وقيل: وهذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي؛ لأنَّ العلة سَبَبٌ في ثبوت الحكم في الفرع المطلوبِ إثباتُ الحكمِ له ((15)).
¥