[ملامح منهج الشيخ ابن عثيمين في استنباط فوائد الآيات]
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[16 Nov 2006, 12:46 م]ـ
النَّاظِرُ في تفسير الشيخِ رحمه الله يَرَى أنّه ينقسمُ إلى قِسمين أساسيَّينِ:
القسم الأول: تفسير الآيةِ وبيان معناها وما يتعلّقُ بها.
القسم الثاني: الفوائدُ المستنبطةُ مِن الآيةِ، وهذه الفوائدُ مُتنوِّعةٌ، وهي المرادةُ بالاستنباطِ؛ ولذا نَجِدُ الشيخَ يُشِيرُ إلى هَذينِ القسمينِ بقولهِ:" الحديثُ عن هذه الآيةِ تفسيرًا واستنباطًا "، ويعني بالتفسيرِ القسمَ الأوّل، وبالاستنباطِ القسمَ الثاني.
وقد أَوْلاهَا عنايةً فائقةً؛ يدلُّ على ذلكَ قولهُ في مقدّمَةِ كتابه: أحكام من القرآن الكريم:" وأحكامُ القرآنِ العظيمِ هي ما تتضمّنهُ الآياتُ الكريمةُ مِن الفوائدِ الدينيةِ، والدنيويةِ، والفرديةِ، والاجتماعيةِ، ولا ريبَ أنّ كُلَّ آيةٍ في كتابِ الله تتضمّنُ فوائدَ عظيمةٍ يعرفها الإنسانُ بحسبِ علمه ِوفهمهِ، ولا ريبَ أنّ الإنسانَ يُؤتى العلمَ بحسبِ ما معهُ مِن الإيمانِ والهُدَى؛ كما قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} (مريم: من الآية76) " ... إلى أن قالَ:" وكُلَّمَا كانَ الإنسانُ أشَدَّ إقبالاً على القرآنِ الكريمِ، وإيمانًا بهِ وحُبًّا لهُ، وتدَبُّرًا لآياتهِ؛ كانَ بهِ أَفْهَمَ، وبما يدلُّ عليه مِن الفوائدِ العظيمةِ والأحكامِ أوسع؛ولذا فإنّي أَحُثُّ إخواني المسلمينَ على تَدَبُّرِ كتابِ الله ? وتفهُّمِ معانيه" ... إلى أنْ قالَ:" وكثيرٌ مِن الناسِ اليومَ لا يهتمُّ بهذا الجانبِ – أعني جانبَ المعنى وجانب التدبُّر وما تتضمنهُ الآياتُ مِن الفوائدِ والأحكامِ – ولا يعتنونَ بهِ، وهذا قُصُورٌ بل شَكٍّ مِن الإنسانِ وتقصيرٌ مِنه " ... إلى أنْ قالَ:" ولكن يُهمُّنِي أنْ أُبَيِّنَ الفوائدَ التي تُستنبط مِن هذه الآياتِ وأُبَيِّنَ وجهَ ذلكَ غالبًا فيما يحتاجُ إلى بيانٍ، وفيما خَفِيَتْ دلالتهُ؛ لأنّ الاستفادةَ مِن القرآنِ الكريمِ بهذه الطريقةِ يحصلُ بها علمٌ كثير ".
وذِكْرُ فوائدِ الآياتِ مَنهجٌ علميٌّ سَلَكَهُ أهل التحقيقِ مِن العلماءِ، ومِنهم على سبيلِ المثالِ لا الحصْرِ: شيخه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله،فإنّ لهُ عنايةً بهذا الجانبِ
فمثلاً: استنبطَ رحمه الله مِن آيةِ التيمُّمِ في سورة المائدة إحدى وخمسونَ فائدة. ()
ولقد تأثَّرَ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بشيخهِ – السعديّ – في هذه الطريقةِ، واستفادَ مِنه ()، إلاَّ أنّه تَمَيَّزَ عن شيخهِ بالتزامِ ذكرِ فوائدِ الآياتِ التي يُفسِّرُها () بِخِلاَفِ شيخهِ.
والقارئ لكتابي: جهود الشيخ ابن عثيمين في التفسير يتَبَيَّنَ له مِن خلالِ التمثيل لمواضيع الكتاب أنّ أغلبها مأْخُوذٌ مِن هذه الفوائدِ التي يذكرها الشيخُ رحمه الله أثناءَ تفسيرهِ لهذه الآيات، فتجدني أكْثَرْتُ مِن عبارة " عند تفسيره لهذه الآيةِ ذكرَ مِن فوائدها " إبرازًا مِنِّي لقيمةِ هذه الفوائدِ التي يذكرها الشيخُ رحمه الله؛ وعَلَيْهِ فلنْ أُطِيلَ بذكرِ الأمثلةِ على ذلكَ مُستغنيًا بما في الكتاب، وإنّما سأذكرُ بعض الملامحِ التي تُبيِّنُ مَنهجهُ في إيرادها:
1 – الالتزامُ بذلكَ في كُلِّ آيةٍ يقومُ بتفسيرها، عدا ما اسْتُثْنِيَ كما قدّمتُ.
2 – الفوائدُ ليسَ لها مَوضوعٌ مُعيّن، وإنّما هي شاملةٌ لكلِّ ما يُمكن أنْ يُستنبطَ مِن الآيةِ، فهي مَجالٌ رَحْبٌ لتقريرِ العقيدةِ السليمةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، والردِّ على المخالفينَ، أو لذكرِ الأحكامِ الفقهيّةِ المتعلّقةِ بالآيةِ وذكرِ أدلّتها والردِّ على بقيّةِ الأقوالِ، أو لبيانِ الأوجهِ البلاغيّةِ وأسرارِ التعبيرِ القرآنيِّ، أو لدلالاتِ الآيةِ التربويّةِ وما فيها مِن المواعظِ والآدابِ، أو غير ذلكَ مِمّا يُمكن أنْ يُؤخذَ مِن الآيةِ سواء كانَ بطريقةٍ مُباشرةٍ أو خفيّةٍ.
¥