أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ {(آل عمران: 64).
وهذا يعد ضرباً من الترجمة إلا أنها ترجمة لبعض آيات القرآن الكريم تخدم الغرض الخطابي ولا تتعدى ذلك إلى ترجمة لسورة كاملة من سوره، ولكن السرخسي ذكر في كتابه الكبير في الفقه الحنفي الموسوم بـ "المبسوط"، في كتاب الصلاة (1/ 37)، أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي t أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، وفي "النهاية حاشية الهداية" لتاج الشريعة (1/ 86، حاشية 1) تفاصيل أكثر حيث يذكر: "كتبوا إلى سلمان الفارسي t أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم/بنام يزدان بخشاونده .... وبعدما كتب عرضه على النبي r، ثم بعثه إليهم، ولم ينكر عليه النبي r، كأنهم طلبوا ترجمة سورة الفاتحة لقوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ".
ويذكر ألفونس منيانا ( Alphonse Mingana) في مقدمة كتابه "ترجمة سريانية قديمة للقرآن" [10] أن ديونيسيوس بارصليبي، المتوفى عام 1171م، يؤكد أنهم قاموا بترجمة القرآن إلى السريانية، إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، وتوجد في مكتبة جون رايلاند بجامعة مانشستر بانجلترا مخطوطة سريانية نشرها الفونس منيانا في كتابه المذكور، وفيه ترجمات لمقتطفات من القرآن الكريم مثل سورة الفاتحة، وآيات أخرى، مكتوبة بنصها العربي ومترجمة إلى السريانية مع تعليقات وطعون نصرانية.
ويذكر الأستاذ مونتييه في كتابه L’Islam أي "الإسلام" أن الفيلسوف اليوناني نقيطاس، من القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الهجري الثالث، نقل القرآن إلى اليونانية فقسم منه ترجمة وقسم خلاصة، وزاد عليه ردوداً وطعوناً.
وذكر برزك بن شهريار في كتابه "عجائب الهند والصين" (ص 2 - 3) أنهم ترجموا القرآن في شمال الهند لصالح بعض الملوك المجاورين الذي كان قد اشتاق إلى الإسلام.
وفي القرن الرابع الهجري أمر الملك منصور بن نوح الساماني جماعة من كبار علماء تركستان عام 345هـ أن يترجموا جميع القرآن الكريم إلى الفارسية والتركية الشرقية والتركية الغربية، مع زيادة ترجمة خلاصة تفسير الطبري.
وذكر بروكلمان في كتابه "تاريخ الآداب العربية" (1/ 432) أن أبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي (المتوفى 303 هـ) ألّف تفسير القرآن بلغة خوزستان.
وظهرت أوائل ترجمات معاني القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الإسلامية [11] عندما أحس كثير من الشعوب بعد دخول الإسلام بالحاجة إلى تعلم أصول الدين، لذا عمدوا إلى تفسير معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم ليتفقهوا في الدين. والترجمات الأولى إلى لغات الشعوب الإسلامية هي:
الفارسية: أول ترجمة معروفة لدينا إلى لغات الشعوب الإسلامية هي الترجمة الفارسية التي تمت عام 345هـ في عهد الملك الساماني أبي صالح منصور بن نوح بن نصر مع ترجمة مختصرة لتفسير الطبري، وترجمة معاني القرآن الموجودة في تفسير الطبري ترجمة حرفية حيث كتبت الكلمات الفارسية تحت آيات المصحف دون مراعاة لترتيب الجملة الفارسية أو سياق التعبير بها.
وأول تفسير طبع باللغة الفارسية هو تفسير "المواهب العلية" المعروف بتفسير حسيني الذي نشر عام 1837م بكلكتا في الهند.
التركية: هناك رأيان حول تحديد أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى التركية، الرأي الأول الذي قال به الأستاذ زكي وليد طوغان (ت 1970م) يرجح أن لجنة العلماء التي قامت بترجمة تفسير الطبري إلى الفارسية كانت تضم علماء أتراكاً قاموا بترجمته إلى التركية في الوقت نفسه، وأن هذه الترجمة هي ترجمة حرفية على نسق الترجمة الفارسية كتبت بين سطور المصحف.
ويذهب أصحاب الرأي الثاني إلى أن أول ترجمة تركية لمعاني القرآن الكريم ظهرت بعد الترجمة الفارسية بنحو قرن من الزمان أي في القرن الخامس الهجري.
ومن الملاحظ على أوائل الترجمات التركية أنه لم يراعَ فيها ترتيب الجملة التركية أو سياق التعبير فيها كما هو ملاحظ في الترجمة الفارسية.
¥