تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عظم المقسم به وهو القلم وما يسطرون به من كتابة الوحي وغيره وقد ذكر القلم في السنة أنواعاً متفاوتة وكلها بالغة الأهمية منها أولها وأعلاها القلم الذي كتب ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة والوارد في الحديث أول ما خلق الله القلم قال له اكتب الحديث فعلى رواية الرفع يكون هو أول المخلوقات ثم جرى بالقدر كله وبما قدر وجوده كله ثانيها القلم الذي يكتب مقادير العام في ليلة القدر من كل سنة المشار إليه بقوله فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ثالثها القلم الذي يكتب به الملك في الرحم ما يخص العبد من رزق وعمل، ثالثها القلم الذي بأيدي الكرام الكاتبين المنوه عنه بقوله تعالى مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أي بالكتابة كما في قوله كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إذا قلنا إن الكتابة في ذلك تستلزم قلماً كما هو الظاهر رابعاً القلم الذي بأيدي الناس يكتبون به ما يعلمهم اللَّه ومن أهمها أقلام كتاب الوحي الذين كانوا يكتبون الوحي بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكتابة سليمان لبلقيس وقوله تعالى الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ شامل لهذا كله إذا كان هذا كله شأن القلم وعظم أمره وعظيم المنة به على الأمة بلى وعلى الخليقة كلها وقد افتتحت الرسالة بالقراءة والكتابة فلماذا لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي أعلن عن هذا الفضل كله للقلم لم يكن هو كاتباً به ولا من أهله بل هو أمي لا يقرأ ولا يكتب كما في قوله هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ والجواب أنا أشرنا أولاً إلى ناحية منه وهي أنه أكمل للمعجزة حيث أصبح النَّبي الأمي معلماً كما قال تعالى يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وثانياً لم يكن هذا النَّبي الأمي مُغْفِلاً شأن القلم بل عنى به كل العناية وأولها وأعظهما أنه اتخذ كتّاباً للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه مع أنه يحفظه ويضبطه وتعهد الله له بحفظه وبضبطه في قوله تعالى: " سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ حتى الذي ينساه يعوضه الله بخير منه أو مثله كما في قوله تعالى مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ووعد الله تعالى بحفظه في قوله إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ومع ذلك فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ وكان له عدة كتاب وهذا غاية في العناية بالقلم وذكر ابن القيم من الكتاب الخلفاء الأربعة ومعهم تتمة سبعة عشر شخصاً ثم لم يقتصر صلى الله عليه وسلم في عنايته بالقلم والتعليم به عند كتابة الوحي بل جعل التعليم به أعم كما جاء خبر عبد الله بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلِّم الناس الكتابة بالمدينة وكان كاتباً محسناً ذكره صاحب الترتيبات الإدارية عن ابن عبد البر في الاستيعاب وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال علّمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن وقد كانت دعوته صلى الله عليه وسلم الملوك إلى الإسلام بالكتابة كما هو معلوم وأبعد من ذلك ما جاء في قصة أسارى بدر حيث كان يفادي بالمال من يقدر على الفداء ومن لم يقدر وكان يعرف الكتابة كانت مفاداته أن يعلِّم عشرة من الغلمان الكتابة فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك وكان ممن تعلم زيد بن ثابت وغيره فإذا كان المسلمون وهم في بادىء أمرهم وأحوج ما يكون إلى المال والسلاح بل واسترقاق الأسارى فيقدمون تعليم الغلمان الكتابة على ذلك كله ليدل على أمرين أولهما شدة وزيادة العناية بالتعليم وثانيهما جواز تعليم الكافر للمسلم ما لا تعلق له بالدين كما يوجد الآن من الأمور الصناعية في الهندسة والطب والزراعة والقتال ونحو ذلك وقد كثر المتعلمون بسبب ذلك حتى كان عدد كتاب الوحي اثنين وأربعين رجلاً ثم كان انتشار الكتابة مع الإسلام وجاء النص على الكتابة في توثيق الدين في قوله تعالى ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وهي أطول آية في كتاب الله تعالى رسمت فيها كتابة العدل الحديثة كلها وإذا كان هذا شأن القلم وتعلمه فقد وقع الكلام في تعليمه للنساء على أنهن شقائق الرجال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير