تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وردت كلمة (الصابئون) في هذه الآية مرفوعة، وظاهر السياق يدل على أنها معطوفة على المنصوبات اللواتي سبقنها لأن (الذين أمنوا والذين هادوا) في محل نصب اسم (إن) التي في صدر الآية. وجميع القراءات السبع تجعل كلمة (الصابئون) مرفوعة كما هي عليه في رسم المصحف. لذلك اجتهد النحاة والمفسرون في إيجاد تفسير لهذه المغايرة الإعرابية التي تستوقف القارئ والسامع للكتاب الكريم.

وقد وردت كلمة (الصائبون) منصوبة في سياقين آخريْن في كتاب الله الكريم، ففي سورة البقرة "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون". [البقرة/ 62].

وفي سورة الحج "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا: إن الله يفصل بينهم يوم القيامة .... " [الحج/ 17].

فإذا أردنا أن ندرك سر رفع (الصابئون) وهي في موضع العطف على اسم إن في الآية التي بين أيدينا، فلننظر في السياقين الآخرين اللذين وردت فيهما تلك الكلمة منصوبة. لنلاحظ أنها في أية المائدة –التي نحن بصددها- ارتفعت بالواو وهي متقدمة على كلمة (النصارى) بعدها. لأن الصابئين أقدم وجوداً من النصارى. وقد شملت الآية أربع طوائف (الذين آمنوا – اليهود – النصارى – الصابئة) ثلاث طوائف منها أهل كتب سماوية. والصابئة ليسوا بأهل كتاب بل كانوا يعبدون الكواكب والنجوم. فجاء رفع الكلمة ليظهر اختلاف هذه الطائفة عن الطوائف الثلاث. وجاء تقديمها على النصارى مراعاةً لكون الصابئة أقدم عهداً من النصارى.

ويرى بعض الباحثين بان من الممكن تفسير هذه المخالفة الإعرابية بأن الصابئين يتوب الله تعالى على من آمن منهم. وهو دفع موضع التوهم [أي نفي فكرة عدم التوبة] بأن الله تعالى لا يتوب على أحد منهم لأنهم عبدوا النجوم ولم يُعهد من أمرهم أنهم كانوا يتآولون .... ".

وذهب بعض القدامى مثل الخطيب الإسكافي (ت 420 هـ) مذهباً فريداً في تأويل هذه الآية خلاصته أنه ليس من المستساغ أن يقال: (إن الذين آمنوا .... من آمن بالله) فإذا كانوا قد وُصفوا بأنهم آمنوا في صدر الآية فلا وجه لإعادة الصفة، بل المعنى: إن الذين آمنوا بكتب الله المقدسة المتقدمة مثل: صحف ابراهيم، والذين آمنوا بما نطقت به التوراة وهم اليهود، والذين آمنوا بما أتى به الإنجيل وهم النصارى، قال: "ثم أتى بذكر (الصابئين) وهم الذين لا يثبتون على دين وينتقلون من ملة إلى ملة، ولا كتاب لهم".

فخلاصة رأيه أن آية البقرة جاءت على ترتيب الكتب السماوية، والمقصود فيها –عنده- بالذين آمنوا: الذين آمنوا بصحف ابراهيم –عليه السلام- وأما آية المائدة –التي نحن بصددها- فجاءت على ترتيب الأزمنة قال: "فرفع (الصابئون) ونُوي به التأخير عن مكانه، كأنه قال بعدما أتى بخبر الذين آمنوا والذين هادوا وهو (من آمن منهم ... الخ) والصابئون هذا حالهم أيضاً. وهذا مذهب سيبويه".

النموذج الثالث:-

قال تعالى: " وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيِهِ أَجْرَاً عَظِيماَ". [الفتح 10].

هذه هي قراءة حفص عن عاصم التي عليها رسم المصحف بضم الهاء من كلمة (عليه) وهو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد بهذا الضبط وما عداه لا يرد إلا بكسر الهاء إذا سبقها حرف الجر (على). وهذه [بالضمٍ] لغة أهل الحجاز، وبقية العرب يكسرون الهاء.

يقول العلماء إن الضمة ثقيلة النطق لأن "النطق بها يحتاج إلى جهد عضلي أكثر من الكسرة والفتحة وذلك لأنها لا تُنطق إلا بانضمام الشفتين وارتفاعهما ولا تحتاج الكسرة ولا الفتحة إلى ذلك".

وقد وردت هذه النقطة في سياق آية تحدثت عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم –يوم الحديبية وكانت بيعتهم على الموت في سبيل نصرة الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

لذلك جاءت الهاء مضمومةً في هذه الكلمة، في هذا الموضع فقط، لكي يظهر من مخالفتها المألوف من الإعراب مدى ثقل العهد الذي تضمنته تلك البيعة العظيمة التي نسبها الله تعالى إلى نفسه وجعل يده فوق أيدي المؤمنين إذ قال جل شأنه: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما "] الفتح/ [10

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير