ثمّ إن الضمّة – كما يقول الدكتور فاضل السّامرائي ناقلاً عن الألوسي – يُنطق بعدها لفظ الجلالة مفخَّماً بخلاف الكسرة فإنّها ينطق معها لفظ الجلالة بترقيق اللام.
فجاء بالضم ليتفخم النطق بلفظ الجلالة , إشارة إلى تفخيم العهد , فناسب بين تفخيم العهد و تفخيم الصوت.
النموذج الرابع:
قال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام و هو يقص رؤياه على أبيه يعقوب عليه السلام:" و الشَّمْسَ و القَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لي ساجدين " [يوسف:4] والمعروف في قواعد اللغة أن الجمع بالياء والنون والواو والنون إنما يكون للعقلاء، والمرئيات التي رآها يوسف عليه السلام من الكواكب والشمس والقمر ليست من ذوي العقول. بل هي جمادات.
قال العلماء: قد يكون عبَّر عن لسان الحال بالكلام، فقد يُطلق الكلام على لسان الحال كما قال الشاعر القديم:
شكى إليَّ جَمَلِي طولَ السُّرى
وكما قال الشاعر نصيب:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهلُه
ولو سكتوا أثنتْ عليك الحقائبُ
وقال بعض العلماء: "لما وصفت [الكواكب والشمس والقمر] بصفات العقلاء وهو السجود. أجريت مجراهم فجمعت صفتها جمع العقلاء.
وقال الألوسي: "وإنما أجريت هذه المتعاطفات مجرى العقلاء في الضمير [أي في قوله: "رأيتهم"] جمع الصفة لوصفها بوصف العقلاء. وإعطاء الشئ الملابس لآخر من بعض الوجوه حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة .... شائع في الكلام".
ومع ذلك فإن في العدول عن وصف الكواكب والشمس والقمر بما ينبغي لها، ووصفها بصفة العقلاء إشعاراً للقارئ والسامع بان الإيمان بالله يحوِّل القلوب الغافلة والعقول التائهة من حال التيه والزيغ إلى حال الإدراك والاستقرار. فالكفار الذين شبههم القرآن الكريم بأنهم كالأنعام أو أضل، لو آمنوا وعبدوا وركعوا وسجدوا، كانوا كمن انتقل من حال الحيوانات والجمادات إلى حال البشر العقلاء الذين وصلوا أرواحهم بربهم وأنابوا إليه.
ومن جهة أخرى، فقد يكون نبي الله يوسف عليه السلام قد قصَّ ما رآه لأبيه على سبيل الحقيقة. فقد كان إذ ذاك طفلاً. والطفل قد يرى في منامه الأشياء على غير حقيقتها. فقد يرى للكواكب والنجوم وجوهاً ورؤوساً وأيدياً وأرجلاً. ويراها تركع وتسجد ويُلقى في روعه أن هذه وتلك: الشمس والكواكب تتحرك نحوه ومومئةً ساجدة. ولذا لم يستنكر يعقوب عليه السلام من طفله هذه الرواية. بل أدرك ما وراءها وعرف أن لابنه مستقبلاً إيمانياً طيباً. على نحو ما يبين في سورة يوسف بعد ذلك.
النموذج الخامس:-
قال تعالى متحدثاً عن أبي لهب: "وامْرَأتُه حَمَّالَةَ الحَطَبْ في جِيدِهَا حَبلٌ مِنْ مَسَدٍ". [المسد: 4،5]
قراءة حفص عن عاصم وعليها رسم المصحف بفتح كلمة (حمالةَ) وقد قال النحاة في هذه القراءة: إن كلمة (حمالة) منصوبة على أنها مقطوعة عما قبلها على تقدير: أذمُّ حمالةَ الحطب
وقال مكي بن أبي طالب: "هذه المرأة كانت قد اشتهرت بالنميمة، فجرت صفتها على الذم لها، لا للتخصيص. وفي الرفع ذم. ولكنه في النصب أبين. لأنك إن نصبت لم تقصد أن تزيدها تعريفاً وتبييناً. إذ لم تجر الإعراب على مثل إعرابها. وإنما قصدت إلى ذمها لا لتخصيصها من غيرها بهذه الصفة التي اختصصتها بها.