تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذهب طائفة من النحويين إلى أنّ اللفظ مؤنث لانتهائه بألف تأنيث ممدودة، على أنهم اختلفوا في بناء اللفظ وفي كيفية تغير اللفظ عن أصله الباطن. ونجد في ذلك مذاهب.

المذهب الأول: التغير في ترتيب الأصوات:

التسليم المباشر بمنع هذا اللفظ من الصرف كان وراء محاولة البحث عن علة مقبولة للمنع من الصرف، وتمنع الأسماء الصرف ما انتهت بألف تأنيث ممدودة، فالهمزة في نهاية (أشياء) للتأنيث أما الهمزة في أولها فهي لام الكلمة أي اللام من (شيء) ولكنها قدمت وهذا هو التغير في ترتيب الأصوات فيها.

وهو قول الخليل، ويذهب إليه سيبويه، وتابعهما المازني وجميع البصريين إلا الزيادي (6). قال سيبويه: "وكان أصل أَشْياءَ شَيْئَاء، فكرهوا منها مع الهمزة مثل ما كره من الواو" (7). وقال المازني موضحًا ما حدث للفظ:"فجعل الهمزة التي هي لام أولاً فقال: (أشياء) كأنها (لفعاء) " (8). وذلك "يعني أن (شيئاء) هي (فعلاء) كحمراء فكرهوا الياء وبعدها الهمزة، كما كرهت الواو وبعدها الهمزة في (مساوِئة) حين قلبوا فجعلوا الهمزة مكان الواو، فانقلبت الواو ياء لكسرة الهمزة قبلها فقالوا: مسائية (9) فهي (مفالِعة) مقلوبة من (مفاعِلة)، فكذلك شيئاء لما كرهت الياء مع الهمزة قلبوها فقالوا: أشياء فهي (لفعاء) مقلوبة من (فعلاء) " (10). وكان المبرد ذكر تفسيرًا لمذهب الخليل يختلف عن الوارد سابقًا، قال:"فكرهوا همزتين بينهما ألف فقلبوا؛ لنحو ما ذكرت لك من خطايا كراهة ألفين بينهما همزة. بل كان هذا أبعد، فقلبوا فصارت اللام التي هي همزة في أوله، فصار تقديره من الفعل: (لَفْعاءَ) ولذلك لم ينصرف، قال الله عز وجل:? لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُم تَسُؤْكُم? ولو كان (أفعالا) لانصرف كما ينصرف أحياء وما أشبهه" (11). ويقتضي قول الخليل هذا تفسير العلاقة بين (شيء) و (أشياء)، فذُهِب إلى أن (أشياء) ليست جمع تكسير لـ (شيء)، فلفظها مفرد ومعناها جمع، قال الفارسي: "وهو واحد بمعنى الجمع كرهط ونفر؛ لأن (فعلاء) ليس مما يكسر عليه الواحد". (12)

ينطلق تفسير الخليل من فرضية أن (أشياء) منعت من الصرف لأنها تنتهي بألف تأنيث ممدودة وهي من الأمور المانعة من الصرف، واقتضت هذه الفرضية القول بتقديم الهمزة، واقتضت أيضا القول بأنها ليست جمعا لشيء بل اسم جمع (13). ولهذه الأمور أهميتها في تصريف (أشياء) يعرض لها النحويون في معالجة تفسير منعها من الصرف.

يذهب المؤيدون قول الخليل إلى أن تصغيرَ (أشياء) وجمعَها دليلان على صحة مذهبه، فـ (أشياء) تصغر على (أُشَيَّاء) (14)؛ "فلهذا كان قول الخليل هو الصواب دون قول أبي الحسن. ألا ترى أنه لا يلزمه أن يقول: (شييئات) لأنها ليست بجمع كُسِّر عليه (شيء)، وإنما هي اسمٌ للجمع، بمنْزلة: (نفر، ورهط) فكما تقول: (نُفير، ورُهيط) كذلك جاز أن تقول: (أُشَيَّاء)، فمن هنا قوي قول الخليل، وضعف قول أبي الحسن! وهذا الذي يلزم أبا الحسن لازم للفراء؛ لأنهما جميعًا يقولان: إنها (أفعلاء) " (15).

أما جمعها فيذكر المازني أن (أشياء) جمعت على (أشاوَى)، قال: "ثم جمع فقال: (أشاوَى) مثل (صحارَى) " (16)، ويؤيد المازني ورود (أشاوى) عن العرب بما نقله عن الأصمعي قال: "وأخبرني الأصمعي، قال: سمعت رجلا من أفصح العرب يقول لخلف الأحمر: (إنّ عندك لأَشاوَى) " (17). أمّا الزجاج فيرى هذا الجمع مقوّيًا لقول الخليل، قال: "ويُصَدِّق قولَ الخليل جمعُهم أشياءَ على أشاوَى، وأشاياه" (18)، وذهب الرضي إلى أبعد من ذلك حين رأى أن هذا الجمع يضعف قول غير الخليل، قال: "ويضعف قول الأخفش والكسائي قولهم: أشايا؛ وأشاوى، في جمع أشياء، كصحارى في جمع صحراء، فإن أفعلاء وأفعالاً لا يجمعان على فَعَالى" (19).

وتجمع (أشياء) على (أشياوات) (20). ويذكر ابن الأنباري اتخاذ البصريين هذا دليلا على أنها مفرد لا جمع تكسير، قال:"والذي يدل على ذلك أيضًا أنهم قالوا في جمعه أيضا (أشياوات) كما قالوا في جمع فَعلاء فَعْلاوات نحو صَحْراء وصَحْرَاوات، وما أشبه ذلك، فدل على أنه اسم مفرد معناه الجمع، وليس بجمع " (21). ولعل ابن الأنباري استفاد مما جاء عند الفراء الذي قد ساق في عرضه لرأي الكسائي أنّ (أشياء) التي على (أَفْعالٍ) كثرت في الكلام فأشبهت فَعْلاءَ، فمنعت من الصرف كمنع حَمْراءَ، وجمعت على فَعَالَى: (أشاوى) كعَذْراءَ على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير