تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عَذارَى، وجمعت على فَعْلاواتٍ (أَشْياواتٍ) كحَمْراواتٍ (22).

ولم يسلم قول الخليل من نقد الناقدين؛ إذ ذكر ابن جني أن الفراء (23) أنكر قول الخليل للقلب إذ جعلها (لَفْعاءَ)، وللجمع جمع ما واحده محرك العين مؤنث بالهاء نحو: طَرَفَةٌ: وطَرْفَاءُ، وقَصَبَةٌ: وقصباء (24). وأجاب ابن جني عن ذلك بأن الفراء يقول بحذف الهمزة وليس تقديم اللام بأشنع من حذفها (25)، أما الجمع فلا يلزم الخليل "لأنه ليس عنده أنَّ (أشياء) جمع كسِّر عليه (شيْءٌ) بمنْزلة: (كلْب وكلاب، وكعْب وكعاب)، وإنما (أشياء) عنده اسم للجمع فيه لفظ الواحد بمنْزلة (الجامل والباقر) فهذان لم يكسّر عليهما (جمل ولا بقر)، وإنما هما اسمان للجمع بمنْزلة (نفر، ورهط، وقوم، ونسوة، وإبل، وجماعة)، فمن هنا لم يلزم الخليل ما ألزمه الفراء إياه" (26).

وواضح أن انتصار ابن جني لرأي الخليل لا يستند إلى حجة قوية فهو يقر بشناعة القول بالتقديم، أما الزعم بأن (أشياء) اسم جمع لا جمع تكسير فأمر ينقضه وجود مفرد من لفظه هو (شيء)، فإن لم تكن (أشياء) جمع تكسير لـ (شيء) فما جمع التكسير لها؟

أما تصغير (أشياء) على (أُشيّاء) وإن دعم قول الخليل في مقابل قول الأخفش والفراء فإنه لا يدعمه في مقابل قول الكسائي فهي على رأيه تصغر هذا التصغير.

وأما الاستدلال على تقديم الهمزة بالجمع على (أَشاوَى): (لَفاعَى) (27) فهو معترض من جهة أنّ الواو تظهر في موضع الياء، وهذا أمر أدركه ابن جني فراح يعتذر عنه بقوله: "فأما قولهم في جمعها: (أشاوى) فقياسه: (أشايا)، لأن الياء ظاهرة في (أشياء)، ولكن الياء قلبت واوًا، كما قالوا: (جبيت الخراج جباوة)، وكما قالوا: (رجاء بن حيوة) يريدون: (حيّة). وحكى أبوزيد: (باد الشيء يبيد بوادًا) بالواو؛ وكأنهم إنما فعلوا ذلك كراهة للياء بين الألفين في (أشايا) لو قالوها لقرب الألف من الياء؛ وليكون قلب الياء واوًا هنا عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها (28)؛ وكأن من قال في (مطيّة، وهديّة: مطاوى وهداوى) إلى هذا ذهب" (29). وقد أدرك ابن جني بفطنته أن هذه العلل ضعيفة فقال:"على أنه ليس بعلة قاطعة، ولكنّ فيه ضربًا من التعلل" (30). ولذلك ينقل قولا ينقض الاحتجاج بهذا الجمع على تقديم اللام، قال:"وأخبرني أبوعلي أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ (أشاوى) ليس بجمع (أشياء) من لفظها، وأنه من لفظ قول الشاعر:

يا حبّذا حين تمسي الريح باردة وادِي أُشَيٍّ وفتيانٌ به هُضُم

فـ (أشاوى) على هذا (فَعَالَى) بمنْزلة (عذارى)؛ لأن الهمزة في (أُشيٍّ) فاء، فينبغي أن تكون في (أشاوى) فاء؛ كأنّ واحدتها: (إشاوة) وتكون (إشاوة) كإداوة وتكون (أشاوى): فعائل- في الأصل- كأداوى" (31).

ويحاول ابن جني لما أدركه من ضعف القول بالتقديم أن يخرج بتفسير فيتوجه بسؤاله إلى أبي علي، ومفاد السؤال هو أيمكن أن تكون (أشياء) جمعًا لـ (شيء) من غير لفظها كما جمعت (أشياء) نفسها على (أَشاوَى) من غير لفظها؟، قال ابن جني:"فقلت لأبي علي: فهلا كانت (أشياء) على هذا (فعلاء) من غير لفظ (شيء)، وتكون الهمزة فيها: فاء، دون أن تكون (لفعاء)؟ فقال: إنه إنما ذهب في (أشاوى) إلى أنها من غير لفظ (أشياء) لأن في (أشياء) ياءً، وفي (أشاوى) واوًا، فأمّا (أشياء) فلا إبدال فيها يسوغ أن يقال فيها: إنّها من غير لفظ (شيء) " (32). وواضح من النص أن أبا علي لا يرتضي كون (أشياء) اسم جمع بل هي جمع لشيء من لفظه، فهو مخالف لمذهب الخليل.

وعلى الرغم من أن ابن جني يقول:"فأما التقديم فجائز كثير في كلام العرب" (33) فإن القول بهذا التقديم لم يقبله نحويون آخرون ذهبوا يجتهدون في اتجاه آخر.

المذهب الثاني: حذف الصوت

ونجد في هذا الاتجاه أربعة أقوال: قول الأخفش، وقول الفراء، وقول يفهم من تفسير المبرد قول الأخفش، وقول ذكره مكي بن أبي طالب. وتتفق كل هذه الأقول على أن (أشياء) جمع وليس باسم جمع خلافًا للخليل، وأنّها على البناء (أَفْعِلاء)؛ وأنَّه حذف منها حرف؛ ولكن هذه الأقوال تختلف في تفاصيلها أو في فهمها وتفسيرها لقول الأخفش.

أولا: قول الأخفش

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير