قالوا: ولا يجوز أن يقال " إن الظن محمول على القسم؛ فاللام جواب القسم، كقولهم: والله لزيد قائم، لا لام الابتداء، فإذا كانت جواب القسم فحكمها أن تُبطل عمل ظننت؛ فلهذا وجب أن يرفع زيد بما بعده، لا بالابتداء وهذا لأن حكم لام القسم في كل موضع أن لا يعمل ما قبلها فيما بعدها، ولا بعدها فيما قبلها ".
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم أن هذه اللام ليست لام الابتداء؛ لأن الابتداء يوجب الرفع وهذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب، نحو قولهم: زيدًا لطعامَك آكِلٌ، الأصل في اللام هنا أن تدخل على زيد الذي هو المبتدأ وإنما دخلت على المفعول الذي هو معمول الخبر؛ لأنه لما قُدِّم في صدر الكلام وقع موقع المبتدأ فجاز دخول اللام عليه.
المسألة السابعة
إعراب المثنى والجمع على حَدِّه
رأي الكوفيون:
ذهب الكوفيون إلى أن الألف والواو والياء في التثنية والجمع بمنزلة الفتحة والضمة والكسرة في أنها إعراب، وإليه ذهب أبو على قُطرُبُ، وزعم بأنه مذهب سيبويه وليس صحيحًا.
رأي البصريون:
ذهب البصريون إلى أنها حروف إعراب، وذهب أبو الحسن الأخفش وأبو العباس والمبرد أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ولكنها تدل على الإعراب.
حجج الكوفيون:
قلنا على أنها إعراب كالحركات وذلك؛ لأنها تتغير كتغير الحركات، ألا ترى أنك تقول: قام الزَّيْدَانِ، ورأيت الزيدَينِ، ومررت بالزيدَينِ، فذل ذلك على أنها إعراب بمنزلة الحركات، ولو كانت حروف إعراب لما جاز أن تتغير ذَوَاتُها عن حالها.
حجج البصريون:
قلنا إنها حروف إعراب وليست بإعراب؛ لان هذه الحروف إنما زيدت للدلالة على التثنية والجمع؟ ألا ترى أن الواحد يدل على مفرد، فلما أزيدت هذه الحروف دلت على التثنية والجمع.
وأما الذين قالوا أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ولكنها تدل على الإعراب فقال: لأنها لو كانت إعرابًا لما اختلَّ معنى الكلمة بإسقاطها كإسقاط الضمة من دال زيد في قولك: قام زيدٌ، ولو أنها حروف الإعراب لما كان فيها دلالة على الإعراب كما لو قلت: قام زَيْدُ، من غير حركه.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم إنها هي الإعراب كالحركات بدليل أنها تتغير بتغير الحركات فيرد على ذلك البصريون من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن القياس يقتضي أن لا تتغير كقراءة من قرأ: (إنَّ هذَانِ لَسَاحِرانِ)، إلا أنهم عدلوا عن هذا القياس لإزالة البس.
والذي يدل على أن هذه الأحرف ليست إعرابًا كالحركات، أنها لو كانت هي الإعراب كالحركات لكان يجب أن لا يُخِلَّ سقوطُها بمعنى الكلمة كما لو سقطت الحركات؛ لأن سقوط الإعراب لا يخلُّ بمعنى الكلمة.
الوجه الثاني: أن هذه الحروف إنما تغيرت في التثنية والجمع؛ لأن لهما خاصية لا تكون في غيرهما استحقّا من أجلها التغيير وذلك أن كل اسم معتل لا تدخله الحركات نحو: رَحى، وعصا، وبُشرى.
الوجه الثالث: أن هذا ينتقص بالضمائر المتصلة والمنفصلة؛ فإنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر وليس تغيرها إعرابًا، ألا ترى أنك تقول في المنفصلة: أنا وأنت في حال الرفع وإياي وإياك في حالِ النصب.
ـ وأما قولهم " إنه جعل الألف والواو والياء في التثنية والجمع رفعًا وجرًا ونصبًا، فيرد على ذلك البصريون أن يكون في الرفع ألفًا، ويكون في الجر ياء، وفي النصب كذلك، أي أنه يقع موقِع المرفوع، وإن لم يكن مرفوعًا وهكذا.
المسألة الثامنة
أَيمن الله في القسم مفرد أو جمع
رأي الكوفيون:
ذهب الكوفيون إلى أن أيمن الله في القسم جمع يمين.
رأي البصريون:
ذهب البصريون إلى أنه ليس جمع يمين وأنه اسم مفرد مشتق من اليُمن.
حجج الكوفيون:
الدليل على أن أَيمن جمع يمين أَنه على وزن أفعل وهو وزن يختص به الجمعُ، ولا يكون في المفرد، يدل عليه أن التقدير في قولهم: (أيمن الله)، أي علىَّ أيمانُ اللهِ علىّ فيما أُقسم به، وهم يقولون في جمع يمينٍ أيمنٌ فقال زهير:
فَتُجْمَعُ أيمُنٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ بِمُقسَمَةِ تَمُورُ بِهَا الدِّمَاءُ
¥