تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تحقيق نحوي في قوله تعالى (إنَّ هذان) لشيخ الإسلام ابن تيمية

ـ[راكان العنزي]ــــــــ[28 - 05 - 2008, 01:07 م]ـ

قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى:

فصل في قوله تعالى {إن هذان لساحران}.

فإن هذا مما أشكل على كثير من الناس فإن الذي في مصاحف المسلمين {إن هذان} بالألف وبهذا قرأ جماهير القراء وأكثرهم يقرأ (إن) مشددة وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (إن) مخففة لكن ابن كثير يشدد نون (هذان) دون حفص والإشكال من جهة العربية على القراءة المشهورة وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم وجمهور القراء عليها وهي أصح القراءات لفظا ومعنى.

وهذا يتبين بالكلام على ما قيل فيها. فإن منشأ الإشكال: أن الاسم المثنى يعرب في حال النصب والخفض بالياء وفي حال الرفع بالألف وهذا متواتر من لغة العرب: لغة القرآن وغيرها في الأسماء المبنية كقوله: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك} ثم قال {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} وقال: {ورفع أبويه على العرش} وقال: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} ولم يقل: الكعبان، وقال: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} ولم يقل: اثنان، وقال: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين}. وقال: {ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} ولم يقل: اثنان ولا الذكران والأنثيان وقال: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} ولم يقل: زوجان وقال: {فإن كن نساء فوق اثنتين} ولم يقل: اثنتان. ومثل هذا كثير مشهور في القرآن وغيره.

فظن النحاة أن الأسماء المبهمة المبنية مثل هذين واللذين تجري هذا المجرى وأن المبني في حال الرفع يكون بالألف ومن هنا نشأ الإشكال.

وكان أبو عمرو إماما في العربية فقرأ بما يعرف من العربية: إن هذين لساحران. وقد ذكر أن له سلفا في هذه القراءة وهو الظن به أنه لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه وقد روي عنه أنه قال: إني لأستحيي من الله أن أقرأ: {إن هذان} وذلك لأنه لم ير لها وجها من جهة العربية ومن الناس من خطأ أبا عمرو في هذه القراءة ومنهم الزجاج قال: لا أجيز قراءة أبي عمرو خلاف المصحف.

وأما القراءة المشهورة الموافقة لرسم المصحف فاحتج لها كثير من النحاة بأن هذه لغة بني الحارث بن كعب وقد حكى ذلك غير واحد من أئمة العربية. قال المهدوي: بنو الحارث بن كعب يقولون: ضربت الزيدان ومررت بالزيدان كما تقول: جاءني الزيدان: قال المهدوي: حكى ذلك أبو زيد والأخفش والكسائي والفراء وحكى أبو الخطاب أنها لغة بني كنانة وحكى غيره أنها لغة لخثعم ومثله قول الشاعر:

تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هاوي التراب عقيم

وقال ابن الأنباري: هي لغة لبني الحارث بن كعب وقريش قال الزجاج: وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب - وهو رأس من رءوس الرواة - أنها لغة لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد وأنشدوا:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يجد مساغا لناباه الشجاع لصمما

وقال: ويقول هؤلاء: ضربته بين أذناه. قلت بنو الحارث بن كعب هم أهل نجران ولا ريب أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة بل المثنى من الأسماء المبنية في جميع القرآن هو بالياء في النصب والجر كما تقدمت شواهده. وقد ثبت في الصحيح عن عثمان أنه قال: إن القرآن نزل بلغة قريش وقال للرهط القرشيين الذين كتبوا المصحف هم وزيد: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم ولم يختلفوا إلا في حرف وهو (التابوت) فرفعوه إلى عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريش رواه البخاري في صحيحه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير