ـ أما قولهم: إنما لم يجز تقديم الحال؛ لأنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر، فيرد على ذلك البصريون بأن هذا فاسدٌ؛ وذلك لأنه وإن كان مقدمًا في اللفظ إلا أنه مؤخر في التقدير، وإذا كان مؤخر في التقدير جاز فيه التقديمُ، كقولة تعالى: " فأوجس في نَفسِهِ خيفةً مُوسى " فضمير نفسه عائد إلى موسى وإن كان مؤخرًا في اللفظ، إلا أنه لما كان في تقديم التأخير جاز التقديم.
ومن كلامهم " في أكفانه لُفَّ الميِّتُ " ومن أمثالهم " في بيته يُوتَى الحَكمُ ".
المسألة الرابعة
تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن
رأي الكوفيون:
ذهب الكوفيون بأنه يجوز تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن.
رأي البصريون:
قالوا لا يجوز تقديم خبر ما زال.
حجج الكوفيون:
قالوا ذلك؛ لأن ما زال ليس بنفي الفعل وإنما هو نفي المفارقة الفعل وبيان أن الفاعل حاله في الفعل لأن (زال) فيها معنى النفي وما للنفي فلما دخل النفي على النفي صار إيجابًا.
حجج البصريون:
قالوا لا يجوز تقديم خبر ما زال؛ لأن ما للنفي والنفي له صدارة الكلام فجرى مجرى حرف الاستفهام في أن له صدر الكلام ولأن حرف الاستفهام لا يعمل فيما بعده وهذا هنا ما لا تعمل فيما قبلها.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم إن ما زال ليس بنفي الفعل وإنما نفي لمفارقة الفعل كما اجمعنا على أن ما زال ليس بنفي الفعل، أَجمعنا على أن ما للنفي فإذا لم تكن ما للنفي لما صار الكلام بدخولها إيجابًا، وما نفي بدليل أنا لو قدرنا زمان النفي عنها لما كان الكلام إِيجابًا وإذا كان للنفي فينفي أن لا يتقدم ما هو متعلق بما بعدها عليها؛ لأنها تسقف صدر الكلام كالاستفهام.
المسألة الخامسة
هل يعمل حرف القسم محذوفًا بغير عوض
رأي الكوفيون:
قالوا يجوز الخفض في القسم بإضمار حرف الخفض من غير عوض.
رأي البصريون:
قالوا لا يجوز ذلك إلا بعوض نحو ألف الاستفهام مثل: قدلك للرجل آللهِ ما فعلت كذا أو ها التنبيه مثل: " ها اللهِ ".
حجج الكوفيون:
احتج الكوفيون بالنقل فقالوا قد جاء عن العرب أنهم يُلقون الواو من القسم ويخفضون بها، قال الفرّاء سمعنا يقولون " آلله لتفعلنَّ "، فيقول المجيب " أللهِ لأفعلنَّ "، وقول الشاعر:
مَشائِيمُ ليسُوا مُصلحين عَشِيرة ولا نَاعِبٍ إلاّ ببينٍ غُرَابُها
فخفض (ناعب) بإضمار حرف الخفض.
حجج البصريون:
قالوا أجمعنا أن الأصل في حروف الجر أن لا تعمل على الحذف وإنما تعمل مع الحذف في بعض المواضع إذا كان لها عوض ولم يجدها هنا، فإذا قلنا آلله ما فعل أو ها الله فإن ألف الاستفهام وهاء التنبيه صارتا عوضًا عن حرف القسم، والذي يدل على أنه لا يجوز أن يظهر معها حرف القسم فلا يقال أوالله ولا ها والله؛ لأنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم ألله لأفعلنَّ فإنما جاز ذلك مع هذا الاسم خاصة على خلاف القياس لكثرة استعماله كما جاز دخول حرف النداء عليه من الألف واللام دون غيره من الأسماء لكثرة الاستعمال، وهنا جاز حذف حرف الخفض لكثرة الاستعمال مع هذا الاسم دون غيره.
المسألة السادسة
اللام الداخلة على المبتدأ لام الابتداء أو لام جواب القسم
رأي الكوفيون:
ذهب الكوفيون إلى أن اللام في قولهم: لزيدٌ أفضل من عمرو، لا جواب القسم مُقدَّر والتقدير والله لزيدٌ أفضلُ من عمرو فاضمر اليمين اكتفاء باللام منها.
رأي البصريون:
قالوا بأن اللام لام الابتداء.
حجج الكوفيون:
احتجوا على أن هذه اللام لام جواب القسم وليس لام الابتداء بدليل أن هذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب، نحو قولهم: زيدٌ آكلُ فلو كانت لام الابتداء لكان يجب أن يكون ما بعدها مرفوعًا.
حجج البصريون:
احتجوا على أن هذه اللام لام الابتداء أنها إذا دخلت على المنصوب بظننت أو جبت له الرفع وأزالت عنه عمل ظننت، تقول: ظننت زيد زيدًا قائمًا، فإذا أدخلت على زيد اللام قلت: ظننت لزيدٌ قائمٌ، فأوجبت له الرفع بالابتداء بعد أن كان منصوبًا.
¥