فأمّا حُكْم ُمخالفة إجماع أهل اللغة؛ فإنّها ليست قبيحة و مردودة على إطلاقها , وإلّا لاطّرحنا كثيرًا من آراء النحاة المعتبرين عند أهل الصناعة, و العلوم التي لا تجديد فيها علومٌ ميّتةٌ لا حياةَ فيها, و لا يكون ذلك بغير ما يعرفه أهلُ كلِّ صناعةٍ = من ضوابط النظر وأصول الاجتهاد!
و لكن المذموم المرود من ذلك مخالفة ما أجمع عليه النحويون ـ بلا هُدًى ولا كِتابٍ مُنير, وبالرأي الفطير؛ يجوز على الغِرّ الصغير؛ فيظنّه اجتهادًا غير مسبوقٍ, و هو أوهى شأنًا من أنْ يُرَدَّ عليه!
إنّ المخالفة في ذاتها ليست أمرًا منكرًا, ولكن المُنكَرَ منها هو ما لايقوم على أصلٍ من أصول النظر في العربيّة, و لا يَستَمسِك بعروةٍ من عُراها؛ فذاك أقرب إلى التخليط منه إلى الاجتهاد في العلم؛ فكيف إذا فُتِح هذا الباب لكلِّ أحدٍ أنْ يقول في اللسان العربي بما ليس من أصول اللسان العربي, فيَحُلَّ عُراه عروةً إِثْرَ أخرى , ويَنقُضَ أصولَه أصلًا بعد أصل؛ حتى لا يبقى للعربية عروةٌ يُستمسك بها, و لا أصلٌ يُرجعُ إليه؛ و أنْ يُفضي ذلك إلى أنْ يصير اللسان العربيّ الذي به يُفهم كلامُ الله العربيّ المبين و كلامُ رسوله العربيّ الفصيح =محكومًا بأصول الإفرنجة و قواعد لغاتهم؟! إنّ هذا لشىءٌ عُجاب!
و أَعْجَبُ منه أن يظنَّ ظانٌّ أن الكلامَ في العربيّة بما ليس منها = أمرٌ دنيويٌ لا يقدح في دينٍ و لا يتَّصِل بملّة, و أنْ يغيبَ عنه أنَّ هذا لو جاز في لغات جميعِ أهل الأرض؛ فلا يجوزبحالٍ تَوَهُّمُ مِثلِه في العربيّة!
فيا أهلَ الفصيح: فصيحَكم؛ فإنّها ليست لغةً تُستباح, ولكنّه دينٌ يُفتَى فيه بين ظهرانيكم بغير الحقِّ!
ألا هل بلّغتْ؛ اللهم فاشهد!
ملحوظة:
(لم أقتبس شواهدَ بعض ما أوردتُّ لأمرين: فشوّها بما لا يُحتاج معه إلى دليل, و أنّي إنّما أردتُّ التنبيه على عِظَمِ خطر هذا المسلك و بيان ضرره المُبيرعلى العربيّة و أهلها ,الذي إنْ لمْ يُنتبه إليه أفضى إلى عزل شداة العلم عن تراثهم العظيم, وإثارة الشكوك والبلبلة والخلخلة في عقول أبناء العربيّة, وقد قالها أحدهم, فما كان من ذاك (المجدّد) إلّا أنْ ادّعى أن ما يجده من الخلخلة أمرٌ طَبْعيٌّ وأنَّ عليه أنْ يستسلم لما يُلقى إليه من ذلك (العِلْم الجديد) والّا يبقى جامدًا على ما تلقّاه و الِفَهُ مِن أصولِ لغتِه!).
اللهم أَرِنا الحقَّ حقًّا؛ و ارزقنا اتّباعَه!
الدكتور الفاضل / علي الحارثيّ
تحيَّةً من عند الله مباركةً طيبةً، وبعدُ،
وهُلْكُ الفتى ألا يراحَ إلى النّدى ... وألا يرى شيئًا عجيبًا، فيعجَبا
لا أدري من أيِّ شأنَيكَ أعجبُ! أمِن روعةِ بيانِك، وكثرةِ مائِهِ، وسَلاسةِ مخرجِهِ، أم مِّن حسنِ نظرَكِ، وسَلامةِ رأيِكَ، وصِدقِ حُكمِكَ، ومصاولتِك دونَ حِياضِ العربيةِ، والمراماةِ عنها أن يتسلَّلَ إليها محقِّقاتُ الرِّيَب، ومُحِلاّتُ الخَبَالِ، ووعيِكَ بخطرِ هذه الدعواتِ المريبةِ = في زمنٍ يُعَدُّ فيهِ ذلك شيئًا نُكُرًا، ثم يُعَدّ السُّاعي في مَسخ العربيةِ، وطَمسِ معالمِها، وآثارِها، المتعلِّقُ بأوهامٍ يُزيِّنُها له، ويصوِّرُها في نفسِهِ حقًّا، ما لا أحبُّ أن أذكرَه = يُعَدُّ في أعينِ فريقٍ من الناسِ (المجدّدَ العظيمَ)، و (المجتهِدَ الكبيرَ)، ثمَّ لا يعنيهم ما يقولُ! المُهِمّ أنه (مجدد) وكفى؛ فحتى لو هجَم من العلم على ما لا يُحسِن، وحتى لو فعلَ ما فعلَ، فلا حرجَ، ولا بأسَ.
فقلِ الحقَّ أستاذنا عليًّا، ولا تُبَلْ؛ فإنّك على ثغرٍ عظيمٍ، ولا يصدنَّك عن غرضِك ما أنت لاقٍ من النّصبِ، والتكذيبِ، والعِداءِ؛ فإنَّ ذلكَ ممّا يقرّر صواب مذهبِكَ، وصحّةَ رأيِكَ.
إشارة:
إني لأجتازُ ببعض كلامِ هؤلاء القوم؛ فيحمل ذلك عليَّ من الضيقِ ما يئودني حملُه، أنْ أرى لغتي العظيمةَ التي تعاورَ عليها آلافُ العلماءِ في ألفٍ وأربع مئةِ [كذا] عامٍ، يحفظونها، وينفونَ عن متنِها الفسادَ، ويمكّنون لقواعدها = ثم يأتي من بعدِ ذلك كلِّه مَن لا يستطيعُ أن يُّقيمَ كلامَه؛ فضلاً عن أن يَّفقهَ أسرارَ هذه اللغةِ الشريفةِ، ويبصِرَ آياتِها، وبدائعَها؛ فيقيمُ نفسَه مُقامَ العالمِ بها، المتحقِّقِ بعلومِها. ثم لا يبالي عاقبةَ ما يقولُ، ولا يفكّر في حقيقةِ ما يتكلّمُ بهِ.
ولهذا الكلامُ صِلةٌ، أضعُها في حينِها إن شاء الله، وفي مكانِها اللائقِ بِها. [/ b]
ـ[ضاد]ــــــــ[27 - 10 - 2008, 11:52 ص]ـ
أخي الكريم: كيف يكون للعوام اجتهاد - حتى لو كنت تقصد بالعوام غير المختصِّين - بل هو إفساد وتضييع، أي اجتهاد يُنتظر ممن لم يفقه لغته، إنّا بهذا نضع ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا في يد من يضيع اللغة.
أخي إني أربأ بكم عن أن يكون هذا فكركم.
ولا أحمل كلامك على غير محمله، بل أضعه في موضعه، وأفهم عمومًا قصدك لكن لا أقبل منهجك، التطويرمطلوب لكن من داخل اللغة نفسها وبأيدي علمائها.
بوركتم.
لا أخي الكريم, ليس إفسادا ولا تضييعا. أرني في الأمثلة التي ذكرتها إفسادا وتضييعا. ماذا يفعل الإنسان العربي في ظل غياب المنشورات والمجلات المتخصصة في نشر العلوم والتقنيات والتي من شأنها نشر الترجمات العلمية والتقنية وحضور مجلات الفنانين والسفلة؟ هل عليه أن لا يسمي الأشياء وينظر إليها مثل إنسان الكهوف حائرا؟ انظر قليلا في الأمثلة التي أتيت بها من ذلك المنتدى, ثم تكلم عن علماء أو غير علماء. أثبت أن ترجمة أو تعريبا واحدا يخرج عن منهج العربية في العمليتين, ثم تعال كلمني. بوركت.
¥