ـ[ابن القاضي]ــــــــ[31 - 10 - 2008, 08:32 ص]ـ
أخي ابن القاضي/ لقد فهمت مما قاله د الحارثي: تصنيفه للغة العرب إلى فصيحة عالية مقبولة صحيحة، وعامية عييّة مرذولة لا تصح.
وتبعا لذلك وتشي به جمله في الأعلى: الناس صنفان خاصّة وعوامّ، الخاصة (وكأنهم أصحاب الشهادات ونحوهم، لاحظ فكرة شعب الله المختار) لهم القِدْح المعلّى في كل شيء والقبول، والعوامّ (السوقة) وهم من دون ذلك وما سواه، وهم في الأرذلين لغة وفكرا وكلّ شيء بعد ذلك وقبله، ولا يقبل منهم شيء.
لذا أردت أن أبيّن أن الناس سواسية كأسنان المشط، وكما يقال عندنا في القرية: (الحَجَرْ اللّي ما يِعْجِبْكْ يَفْقَعْ راسَك) (أرجو عدم تدخل المصحّح هنا)، ورسولنا وصحابته كانوا من عامّة الناس ومن الأميين منهم، بل إن بعض كبار الصحابة حسب تصنيف الناس في تلك الأزمنة كانوا في درجات دنيا، ومع هذا فإن سادة العرب وملوكها في تلك الآونة ما جاء منهم خير كمثل الذي أتى من هذه العُصْبة من قريش التي أسلمت ببطن مكة.
أخي ابن القاضي: إذا كنت بعد هذا لم تفهم مرادي:
فقد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا = فما اعتذارك من قول إذا قيلا
لست مضطرا أن أشرح لك أكثر حتى تصبح قاضيا كأبيك، وربما حتى لو أصبحت.
وإن كنت تبحث عن شيء آخر في كلامي فصرّح به لأقول رأيي فيه، ولكم فهمكم ولي فهمي.
أما إذا كان في نفسك شيء من وصفي لرسولنا وصحبه بالأميّة، فراجع الآيات التي وصفتهم بذلك وهي:
(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) آل عمران 20
(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) آل عمران 75
(الذين يتبعون الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) الأعراف 157
(فآمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 158
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة 2
أما ما ذكرته في رقم 2:
فكيف تقول إن العلماء أجمعوا والله يقول:
(ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان) الشورى: 52
(ووجدك ضالا فهدي)
والقرطبيّ يقول:
عند الآية الأولى في كلام طويل:
(أَيْ لَمْ تَكُنْ تَعْرِف الطَّرِيق إِلَى الْإِيمَان. وَظَاهِر هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ قَبْل الْإِيحَاء مُتَّصِفًا بِالْإِيمَانِ. قَالَ الْقُشَيْرِيّ: وَهُوَ مِنْ مُجَوَّزَات الْعُقُول , وَاَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْمُعْظَم أَنَّ اللَّه مَا بَعَثَ نَبِيًّا إِلَّا كَانَ مُؤْمِنًا بِهِ قَبْل الْبَعْثَة. وَفِيهِ تَحَكُّم , إِلَّا أَنْ يَثْبُت ذَلِكَ بِتَوْقِيفِ مَقْطُوع بِهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل عِيَاض وَأَمَّا عِصْمَتهمْ مِنْ هَذَا (الْفَنّ) قَبْل النُّبُوَّة فَلِلنَّاسِ فِيهِ خِلَاف ; وَالصَّوَاب أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ قَبْل النُّبُوَّة مِنْ الْجَهْل بِاَللَّهِ وَصِفَاته وَالتَّشَكُّك فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ تَعَاضَدَتْ الْأَخْبَار وَالْآثَار عَنْ الْأَنْبِيَاء بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ هَذِهِ النَّقِيصَة مُنْذُ وُلِدُوا ; وَنَشْأَتهمْ عَلَى التَّوْحِيد وَالْإِيمَان) إلى آخره
ودمت في خير.
:; allh
دكتور سعد؛
لقد فهمت كلامك من ردك الأول، لكني أردت مزيد توضيح، وقد اتضح جليا، أنك تريد أن تنصراللغة العامية بوصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان من العوام، وهذا ـ لعمر الله ـ من سقط الكلام، ومن أسوإ الاستشهادات في الموضوع، فمن أين لك أنه كان من العوام، هل فهمت ذلك من لفظة أمّي؟؟! فما وصفه بالأمية في سياق الآية إلا صفة مدح له ولأمته.
وهل فهمت ذلك من حاله قبل النبوة؟؟. فما كان ـ والله ـ إلا من علية القوم نسبا وشرفا وأمانة وصدقا وكرما وعلما و ... و ... وهذا يعرفه المبتدئون في الطلب، وأدل شيء على ذلك تحكيم قريش إياه في عدة أمور اختلفوا فيها، ومن ذلك وضع الحجر الأسود.
العوام ـ يا دكتور ـ في مصطلحات أهل العلم والفنون المختلفة هم الجهلاء في مقابلة العلماء، وهذا ما نحن بصدده في هذا الموضوع، مناقشة كلام العوام الجهلاء باللغة الفصحى، من حيث القبول والرد، فلماذا تحشر النبي:= في هذه الزمرة؟؟
لا يليق بمثلك أن يستشهد بمثل هذا الاستشهاد في معرض المقارتة بين العامية والفصحى، فاربأ بنفسك أن تجعل النبي صلى الله عليه وسلم عرضة للنبز واللمز بإدخاله في زمرة العوام ـ ولو كان عن حسن قصد ـ وهذا ما أحببت تنبيهك عليه.
وأما الإجماع فهو مسلم لا غبار عليه عند أهل السنة، أنّ النبي:= ما تلبس قط، بأي اعتقاد باطل مما كان عليه قومه، فقد عصمه الله تعالى قبل النبوة وبعدها، ولا عبرة بقول من شذ في هذه المسألة العظيمة من أهل الطوائف الأخرى من المعتزلة وغيرهم وهو ما أشار إليه القرطبي بقوله " فَلِلنَّاسِ فِيهِ خِلَاف " ومعلوم عند الأصوليين أنه إذا قيل "الناس" في معرض سياق الأقوال فالمراد بهم طوائف أهل القبلة، وربما دخل أيضا أهل الملل الأخرى. ثم أشار إلى مذهب أهل السنة بقوله: "والصواب".
وأما استشهادك بالآيات على ما تريد الوصول إليه فهو استشهاد ـ وللمرة الثانية ـ خاطئ، فإنما المراد بالضلال قبل النبوة هو عدم معرفة تفصيل شرائع الإيمان والإسلام. وأما معرفة ذلك إجمالا فقطعا ومن غير أي تردد، ما كان إلا حنيفا مسلما منذ ولادته.
وهذه مسألة عظيمة من مسائل أصول الدين، في اعتقاد عصمة النبي:= قبل النبوة وبعدها، زلت بها أقدام وضلت بها أفهام.
ولولا خشية الخروج عن أصل الموضوع لاسترسلت في ذلك بذكر الأدلة العقلية والشرعية، وأقوال العلماء في ذلك، لكن حسبي أن أنبه بالقليل عله يفيد.
هداني الله وإياك للحق والاعتصام به.
¥