مرهونة بالمعرفة النحوية بل بالمعرفة اللغوية، ولو كان الفهم مرهونًا بمعرفة النحو لما أمكن أن يتفاهم الناس ويفهم بعضهم بعضًا وهذه العامية أمامك بأشعارها وأمثالها وحكمها وحكاياتها تروى فتفهم من غير نحو مدون أو معلم والتراث العربي كان شفاهيًّا تتناقله الأجيال قبل أن يولد النحو.
إنك لو أتيت بنحو مختلف كل الاختلاف لما كان له أي خطر على شعر أو تفسير لأن الناس لا يعربون ثم يفهمون بل يفهمون ثم يعربون والنحاة قالوا الإعراب فرع على المعنى.
وعليه فإنّ تغيير قواعد العربيّة و أصولها هو إتلافٌ لتلك الجهود العظيمة في التفسير و الفقه و الأدب , و في غيرها من علوم الأمّة و تراثها!
إن لم تكن هذه مبالغة فما المبالغة، أرأيت لو ترجمت التفاسير إلى اللغة الإنجليزية وترجمت الأحكام الفقهية أيتلف ما فيه من معنى؟ والقرآن وقد ترجمت معانيه لغير لغة أتراها بهذا التغيير من لغة إلى لغة قد تلفت.
إنّ هذه (الاجتهادات الواهية ـ عندي ـ) لن تستطيع؛ كما لم يستطعْ غيرُها من قبل = الصمودَ أمامَ حفظِ الله تعالى لِلُغةِ كتابه! و لكنّ انبعاثَ مثل هذه الدعوات المُنكراتِ حينًا بعد حين يُؤخِّرُ نهضتَنا, و يزيد من كبوتِنا, ويورثُ حُجُبًا هائلة بين الجيل الجديد و تراثه؛ حتى نرفع صوتنا:
لما كنت واثقًا كل الثقة من حال هذه الجهود وأنها لن تصمد فما الذي يعنيك هذا العناء فتسود الصفحات وتحتشد كل هذا الاحتشاد وتعد بمعاودة القول بعد القول، وأما أنها ستعوق نهضتكم فما أظن أن جهودًا بهذه الصفة التي وصفتها بقادرة على تعويق نهضتكم لأنها إما أن تكون نهضة قوية نشطة لا يعوقها شيء وإما أنها نهضة مسكوت عنها.
و من شبهاتِ هؤلاء القوم التي يطلقونها في وجه كلِّ من عارضهم , وَصْمُهُم بالتقليد, والركون إلى القديم, و وصفُهم بذلك بلا حجةٍ و لا برهان = هو من الشُبَهِ التي تحتاج إلى كشفٍ و بيان.
ليس تقليد القديم وصمة ولكن الوصمة سوء التقليد، وليس الركون إلى القديم وصمة لأن القديم هو الأساس الذي ينطلق منه، ولكن الوصمة هي الجهل بكيفية الاستفادة من القديم والتفاعل المثمر معه، وأما وصف هذا بالشبهة فهو أمر لا يلبس على الناس، وليس بمقنع لعقولهم أن تصف هذا الأمر بالشبهة أو ما أردت من الصفات.
ولي عودة ـ إن شاء الله ـ لأردَّ على كلّ شبهةٍ وردتْ في هذا الموضوع, و في غيره ممّا هو متصل ٌ به,؛سائلًا الله التوفيق في إصابةِ الحقّ , والدعوةِ إليه, والثباتَ عليه!
ونحن نقول لك أهلا وسهلا بك في كل وقت، فلعلك بما أردت من الكشف أبلغ في إيضاح ما أردناه فتكون لنا عونًا بإذن الله.
كتبت رسالة في جامعة الاسكندرية عن القراءات القرآنية، ولم يطلع على هذه الرسالة إلا قلة من الناس والدارسين، ولكن قيض الله لها شيخًا أزهريًّا أغضبته أفكار جاءت في الرسالة فنشر كتابًا صغيرًا كان يعمد فيه إلى ذكر الفكرة ثم يرد عليها حتى أتى على أهم مفاصل الرسالة، فاطلع كل القراء على أهم ما كان محجوبًا في تلك الرسالة.
وفي الإعادة إفادة.
تقبل تحياتي، واسلم.
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[01 - 11 - 2008, 12:44 ص]ـ
فليكن، هيا إلى النقاش العلمي!
وبداية تحية ودودة إلى أستاذتنا الحارثي والأغر وسليمان وأبي أوس وأبي عمار وسعد وضاد وكل من شارك وساهم وشكر وقرأ ...
نود أولا أن نحرر محل الخلاف، حتى لا نضيع وقتا في مسألة نحن متفقون عليها، وربما يتنصل منها أصحابها فيكفونا المؤنة.
فما محل الخلاف؟ وهل يقر أصحابه بنسبته إليهم؟
حياك الله أخي العزيز الأستاذ جلمود، وهذه فرصة لي لأرد عليك تحيتك لي هنا وهناك، أيها الكريم.
وبارك الله فيك فقد أصبت كبد الحقيقة بدعوتك هذه، وهذا ما كنت دعوت إليه في أول مشاركة لي في هذه النافذة؛ لأن تحرير موضع النزاع يريحنا جميعا ويريح المتابعين من طلبة العلم ومحبي الحق، وهو منهج معروف في أصول الفقه وأصول النحو وغيرهما. فلنعد إلى بداية هذا السجال؛ لنرى فيم الخلاف؟ فقد أنكر كثير هنا أقوالهم المنكرة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو أمر يحمد لهم على كل حال. فلعل الله يكفينا القتال بالاتفاق، فما ذلك على الله بعزيز.
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[01 - 11 - 2008, 12:46 ص]ـ
لن تغلق هذه النافذة إلا إذا أغلقت تلك النوافذ التي فتحت في الشأن الآخر
لتوضيح موقفي من القضية أنا في جانب الدكتور علي الحارثي مخلصا لهذا الجانب فالعربية ليست كباقي اللغات وما بقاؤها كل تلك العصور إلا بسبب هذا التميز فهي تتراجع بعد عصر الفصاحة ولا تتقدم ولا يحق للعرب اليوم التصرف في ألفاظها ودلالاتها وتراكيبها وأساليبها أبدا لأنهم لا يملكون الكفاءة التي ملكها عرب عصور الاحتجاج.
أما اللغات الأخرى فلا مقياس لديها يميز عصور فصاحتها فلا يجوز أن نقيس العربية عليها حتى تكافئ الفصحى.
أيضا ما يصنعه أهل الترجمة والتعريب في إدخال الكلمات الجديدة على العربية بمقياس العربية وقواعدها لا أعده من العربية الفصحى ما لم يتكلم به العرب الأوائل, قل عنه مولد أو محدث أو دخيل ولكنه ليس من العربية الفصحى.
هذا النهج هو ما أراه يحفظ العربية وينقلها جيلا إثر جيل.
لكننا لن نمنع أصحاب الشأن الآخر من بيان ما عندهم فإن كان حقا تبعناه وإن كان باطلا فقد بان عواره
والله أعلى أعلم
¥