ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[29 - 10 - 2008, 07:10 ص]ـ
بارك الله جهودك أستاذنا، ونحن في شوق لتلقي المزيد. عملك رائع كل الروعة، قد أتوقف بعض التوقف في جوانب منه؛ ولكنه بالجملة نتاج بحث معمق وفكر دقيق، وطالما رددت عبارة اللغة أوسع من قواعدها، ولذلك إن جاء في اللغة ما هو مخالف للقواعد قبل على أنه لغة خارج إطار التقعيد، على أن التقعيد فيه من التحكم والتضييق ما يظهر بعض نصوص اللغة من إطاره، فيكون الخلل في التقعيد لا الاستعمال اللغوي.
وفقك الله وسدد خطاك.
ـ[سعد حمدان الغامدي]ــــــــ[29 - 10 - 2008, 02:35 م]ـ
2 - تكملة البحث السابق::::
وبعد هذا أدلف الآن إلى الوقفات في مسائل لولا الامتناعية:
لقد وجدتُ النحاة يطلقون أحكاما في دراسة (لولا) رأيت أنها كانت بسبب عدم انتباههم عند النظر في شواهد المسألة، أو بسبب عدم استحضار النصوص ومراجعتها ما كان منها مجموعًا على صعيد واحد، وما كان منها مفرقًا مما ينتمي إلى نوع متجانس أو متغاير من أنواع كلام العرب، علما أن هذه النصوص كانت حاضرة بين أيديهم، كما هو شأن القرآن، والدواوين والمجموعات الشعرية، وكذلك الخطب وجملا من كلام العرب، ولكن دراستهم كانت قائمة على شذرات من كل ذلك، ولأَنّهم لم يعنوا بتتبع استعمالات لولا في نصٍّ بعينه مما ذكرنا، وبهذا أرجو أنّ هذه الوقفات تستطيع أن تظهر الحقّ في تلك المسائل فأقول مستعينا بالله:
المسألة الأولى: هاهو أسلوبٌ منعه جمهور النحاة، وفي الذي ذهبوا إليه نَظَرٌ نعرضه فيما يلي:
يذكر المراديّ (ت749 هـ) في (الجنى الداني، تحقيق/ طه محسن، ص: 542) وابن هشام (ت761 هـ) في (المغني - مبحث لولا) عن الجمهور أنّ الاسم المرفوع بعد (لولا) الامتناعيّة مبتدأ، وأنّ الخبر محذوف واجب الحذف مطلقا، وأنه لا يكون إلاّ كونا عامّا، فإذا أريد الكون المقيّد جعل مبتدأ نحو: لولا قيام زيدٍ لأتيتك، ولا يجوز: لولا زيدٌ قائم. كذا تكلّما، وأشارا إلى تلحين النحاة للمعريّ عند ما قال:
يذيب الرعبُ منه كلَّ عَضْبٍ فلولا الغِمْدُ يمسكه لَسالا
وأشار ابن هشام إلى موقفهم من قوله (صلى الله عليه وسلم): (لولا قومُك حديثو عهدٍ …)؛ إذْ رأوا عدم حجيّته؛ لأنّه مرويٌّ بالمعنى.
وهكذا فإنّه إذا أردنا كونا خاصّا بعد لولا فإنّ الجمهور يوجبون الإتيان بالمصدر منه، وجَعْلِه مبتدا خبرُه كونٌ عام محذوف، ويظهر هذا واضحا فيما نقله المراديّ عن ابن أبي الربيع مِنْ أنّ قومًا أجازوا: لولا زيدٌ قائم لأكرمتك، وأنّه علّق على ذلك قائلا: وهذا لم يثبت بالسماع، والمنقول: لولا قيام زيدٍ.
وذكر ابن هشام في المغني أيضا أسلوبا آخر وهو أَنْ تدخل (أنَّ) على المبتدأ، ويجعل الكون الخاص خبرا لها فيقول: لولا أنّ زيدا قائم لحضرت؛ وبذلك تصبح أنّ وصلتُها مبتدا محذوفَ الخبر وجوبا، أو مبتدأ لا خبرَ له كما هو مذهب بعضهم، وقد جاء منه قوله تعالى {فلولا أَنَّه كان من المسبحين} الصافات 143.
وسأهتم هنا بأمرين هما: مجيء الكون الخاص خبرا، وأنّ السماع ليس مقصورا على النمط الذي ذكر ابن أبي الربيع وهو: لولا قيام زيد؛ بل جاء ذلك وخلافه، ولكن ابن أبي الربيع وغيره ممّن يذهب مذهبه لم ينتبهوا له، وهذا الأمر الأخير مما أعدّه من الأوهام التي لا تصح مع ما يعارضها من القرآن الكريم.//
أما مجيء الكون الخاص خبرا فقد تنبّه بعض النحاة، ومنهم ابن مالك (672) إلى وجوده مسموعا، وفصّل القول عنه في كتابه شرح شواهد التوضيح (ص65) في المبحث السابع عشر الذي جعله في ثبوت خبر المبتدأ بعد لولا، وكان مما قاله عن المخبر عنه بكون مقيد بعد لولا: إنه إذا كان مما لا يدرك معناه إلاّ بذكره نحو: لولا زيدٌ غائبٌ لم أزرك فإنه واجب الثبوت؛ "لأنّ معناه يجهل عند حذفه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لولا قومك حديثو عهد بكفر" أو "حديثٌ عهدهم بكفر" فلو اقتصر في مثل هذا (والكلام لابن مالك) على المبتدأ لظنّ أنّ المراد: لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود؛ لأن من أحوالهم بُعْدَ عهدهم بالكفر فيما يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على الوجه المذكور" وذكر شواهدَ أُخرَ هي:
1 - قول عبد الرحمن بن الحارث لأبي هريرة إنّي ذاكر لك أمرا، ولولا مروان أقسم علي لم أذكره لك.
2 - قول الشاعر:
¥