تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لولا زهيرٌ جفاني كنت منتصرا ولم أكن جانحا للسّلْمِ إنْ جنحوا

3 - قول الشاعر:

لولا ابنُ أوس نأَى ما ضيم صاحبه يوما ولا نابه وَهْنٌ ولا خَوَرُ

ثم بيّن أنه يأتي بعد لولا المخبر عنه بكون مقيّد يدرك معناه عند حذفه كقولك: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه لعجز، ولولا حسن الهاجرة يشفع لها لهجّرت ... ثم قال: "فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه؛ لأنّ فيها شبهًا بـ: لولا زيدٌ لزارنا، وشبهًا بـ: لولا زيد غائب لم أزرك، فجاز فيها ما وجب فيهما من الحذف والثبوت، ومن هذا النوع قول أبي العلاء المعرّي في وصف سيف: - فلولا الغمدُ يمسكه لسالا-، وقد خطأه بعض النحويين وهو بالخطأ أولى".

هذا ما قاله ابن مالك، ولكنه لم يشر إلى الكون المقيد الذي يدرك من السياق ممّا قبل جملة لولا أو ممّا بعدها لا من نص المثال، وأشار إليه غيره فقد جاء في شرح ابن عقيل باب المبتدأ والخبر (1/ 250): "وإن كان كونا مقيّدا فإمّا أن يدلّ عليه دليل أوْ لا: فإن لم يدلّ عليه دليلٌ وجَبَ ذكره نحو: لولا زيدٌ محسن إٍليّ ما أتيت، وإن دَلّ عليه دليل جاز إثباته وحذفه نحو أن يقال: هل زيدٌ محسن إليك؟ فتقول: لولا زيد محسن إلي، فإن شئت حذفت الخبر، وإن شئت أثبتّه".

كما لم ينتبه ابن هشام إلى مجيء الكون الخاص خبرا في قوله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين} سبأ 31. بل قال في أحد كتبه عن لولا ولوما: فإن دلاّ على امتناع وليَهما مبتدأٌ محذوفُ الخبر وجوبا، ولزمهما جواب كقوله تعالى {لولا أنتم لكنا مؤمنين} إلخ…

ويذكر ابن هشام أنّ جمهور النحاة قالوا: لا يذكر الخبر بعد لولا، وأوجبوا جعل الكون الخاص مبتدأ فيقال: لولا مسالمة زيد إيّانا، أي: موجودة، بدلا من: لولا زيد سالمنا ما سلم، قال: "ولحّنوا المعريّ"، وقالوا عن حديث (لولا قومك حديثو عهد…) إنه مرويّ بالمعنى.

ومع كل هذا الإثبات لوجود الخبر المقيد فإنّ أكثر النحاة المثبتين والنّافين له لم ينتبهوا لوجود شاهد من القرآن عليه، ولم ينتبهوا إلى أنّ ما يوجبه النحاة جمهورهم من جعل الكون الخاص مبتدأ بإحدى الطريقتين التي ذكرنا = فيه عدم إلمام بما ورد في القرآن من قوله تعالى {لولا أنتم لكنّا مؤمنين}، بل إن ابن هشام جعل - في شرح قطر الندى - هذه الآية شاهدا على حذف الخبر وجوبا بعد لولا، ولم يشر إلى أن الخبر فيها كون مقيد لا في كتابه هذا ولا في الأوضح أو المغني.

وقد أشار الأزهري في التصريح 4/ 433 (طبعة عبد الفتاح بحيري) إلى أن الخبر في هذه الآية يحتمل أن يكون كونا مطلقا، والتقدير: لولا أنتم موجودون، ويحتمل أن يكون كونا مقيّدا والتقدير: "لولا أنتم صددتمونا عن الهدى بعد إذ جاءنا" بدليل: {أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم}، كذا قال، والحقيقة أنه يصعب عليّ التسليم باحتمال الكون المطلق في هذه الآية؛ وذلك أَنّ مجرد وجود الكافرين ليس سببا للصّد عن الإيمان، وإنما الذي يصدُّ عنه ضعافَ النفوس هو محاولةُ الصّدِّ نفسها التي تتم بوسائل كثيرة ترغيبًا وترهيبًا.

فإذا ترجح الكون المقيد هنا، وهو محذوف لوجود دليل عليه وهو قوله تعالى {أنحن صددناكم…} فإنّا نرى أنه عندما يراد الكون المقيد فلا حاجة لجعله مبتدأ سواء بجعل هذا الكون مصدرا، أو الإتيان بأَنّ المفتوحة الهمزة وجعل الصّد معمولا لها، وهاهي الآية لم يحدث فيها شيء من ذلك، وكان على رأي الجمهور يلزم أن تكون على مثل: لولا صدُّكم إيانا، أو مثل: لولا أنكم صددتمونا؛ ولمّا لم يكن = دلّ على أنّ هذا لا يلزم.

ولكنّ ما رآه الجمهور جاء عليه الأكثر فيما يظهر، فالله سبحانه يقول: {ولولا فضل الله عليكم} البقرة 64، وربّما كان أساس هذا: "ولولا الله فَضَلَ عليكم" فجعل الكون المقيّد مصدرا وابتدأ به.

إذًا هي ثلاثة أساليب جائزة: أسلوب يذكر الخبر أو يحذفه لدليل وهو كون خاص، ولا يلتزم بما أوجبه جمهور النحاة، وهذا في القرآن في آية سبأ، وأسلوب يجعل الكون المقيد مصدرا صريحا كما يظهر في كثير من الآيات، وثالث يجعله معمولا لـ أَنّ كما في قوله تعالى {فلولا أنّه كان من المسبحين} الصافات143.//

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير