هذا وقد أيدتُ في بحثٍ عن الاسم المرفوع بعد لولا أنّ الخبر يذكر بعدها كما هو رأي جماعة منهم ابن الشجري وابن مالك وغيرهم، وذكر الشجريّ آيتين وزدتُ عليها خمسا تماثلها في النمط، ومن ذلك أيضا ثمان آيات تضاف إلى هذه السبع، وهي:
{لولا كتاب من الله سبَقَ} الأنفال 68، و: {ولولا كلمةٌ سبقت من ربِّك} يونس 19، ومثلها آية هود 110، وآية طه 129، وآية فصلت: 45، وآية الشورى 14،و: {ولولا أجل مسمًّى} العنكبوت: 53، و: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم} الفتح 25.
ففي الآية الأولى جعل بعض النحاة {من الله} صفة لكتاب، وجعل {سبق} على وجهين الرفع صفة ثانية، والنصب حالا من المضمر في الظرف، والخبر محذوف، مدّعين أنه "لا يجوز أن يكون {سبق} خبرا للمبتدأ؛ لأن خبر المبتدأ بعد (لولا) لا يجوز إظهاره" (البيان لابن الأنباري 1/ 391، 392)
وهذا استدلال ضعيف لأن الخبر يظهر بعد لولا كما أثبته العلماء، ورأيناه قبل قليل، وحشدتُ له في بحثي المذكور - قبل قليل - من الشعر اثنين وأربعين شاهدا، وعلى هذا فإن جملة {سبق} تصلح خبرًا، وبخاصة أنّ النكرة بعد لولا لا تحتاج إلى مسوّغ للابتداء فقد اعتبر وقوع (لولا) مسوغًا للابتداء بها كما قال ابن عقيل مستشهدًا بقول الشاعر:
لولا اصطبارٌ لأَوْدى كلُّ ذي مِقَةٍ لما استقلّت مطاياهنّ للظَّعَنِ
أَضِفْ إلى ذلك أن النكرة هنا موصوفة بالجار والمجرور {من الله}.
ويمكن قول ذلك أيضا عن قوله تعالى {ولولا رجال مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم} الفتح:25 فإنّ {لم تعلموهم} تصلح خبرا، ولا داعي لعدّها صفة لرجال ونساء كما زعم ابن الأنباري في (البيان 2/ 378، 379).
وفي كلا الآيتين - وقد ذكر العلماء (شرح ابن عقيل – باب المبتدأ والخبر) من مسوغات الابتداء بالنكرة وقوعها بعد لولا - يمكن أن يعدّ {من ربّك} و {مؤمنون} خبرين.
وهكذا فإنّ ما أوجبه النحاة لم يتحقق هنا فلم تأت الآيتان على النمطين الموجَبين من قبلهم، كأن تكون الآية الأولى على النمط الأول: "ولولا سَبْقُ كتابٍ من ربك" إذا اعتبر الخبر هو جملة (سَبَقَ)، أو: " لولا وجود كتابٍ سبق من ربك " على اعتبار الخبر (من ربك)، أو تكون على النمط الثاني: "ولولا أنّ كتابا من ربك سبق".
وكأن تكون الآية الثانية على النمط الأوّل: "ولولا عدم علمكم برجال مؤمنين ونساءٍ مؤمنات" إذا اعتبرنا الخبر (لم تعلموهم) أو: "لولا إيمان رجال وإيمان نساء على اعتبار أن الخبر كلمة (مؤمنون) ". أو تكون على النمط الثاني: "ولولا أنّ رجالا مؤمنين ونساءً مؤمناتٍ لم تعلموهم".
أما آية {ولولا كلمة سبقت من ربك} يونس19، وما يماثل هذه الآية ألفاظا ونمطا في هود 110، وطه 129، وفصلت 45، والشورى 14، وآية العنكبوت 53 {ولولا أجلٌ مسمًّى} فيمكن بناء على اعتبار لولا مسوغا للابتداء بالنكرة أن تكون جملة {سبقت} خبرا للمبتدأ، وتكون كلمة {مسمًّى} خبرا عن {أجل}.
وبهذا نرى أنّه لم يتحقق ما أوجبه الجمهور من أن تكون الآيات على أحد نمطين:
الأول: "ولولا سَبْقُ كلمة من ربك".
والثاني: ولولا أنّ كلمةً سبقت من ربك.
وتبقى آية {لولا أنتم لكنا مؤمنين} إحدى الآيات التي لم يتنبه أكثر النحاة إلى أن الخبر بعد (لولا) كون مخصوص حذف للعلم به من قوله تعالى {أنحن صددناكم عن الهدى}.
وطريقة رابعة أرى النحاة لم يذكروها وهي أن يجعل الكون الخاص مما يؤول بالمصدر ولكن بغير أنّ المفتوحة الهمزة المثقلة النون، وإنما بأنْ المخففة من مثل قوله تعالى {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} الأعراف:43، وكذلك الأمر في عشر آيات غير هذه، ولم يقل لولا الله هدانا ولا: لولا هُدَى الله أو هداية الله ولا: لولا أنّ الله هدانا.
وهكذا يستقر عندي أن في القرآن أربعة طرق يتوصل بها إلى ذكر الكون الخاص بعد لولا، ذكر النحاة منها طريقين، ومنعوا واحدا، ولم يذكروا الرابع، وهكذا فإن الأمر أوسع مما قالوه، علما أنه لم يستعمل في القرآن من حروف المصدر بعد لولا سوى أنْ وأنّ.
ويبقى أخيرا أنّ ما أوجبه النحاة من الإلزام بإحدى طريقتين عندما يراد الكون المخصوص ليس صحيحًا بل إنّ في الأمر سعة والله أعلم.
¥