[عدم وجود مصطلح (جملة) في الكتاب]
ـ[أدهم]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 04:06 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
إخوتي ..
إليكم جزءًا من مقالة لـ (أ. د. عبد الرحمن الحاج صالح) بعنوان (الجملة في كتاب سيبويه) , أهمّني ما فيه, يقول الأستاذ:
"عَدَمُ وُجُودِ مُصْطَلَحِ (جُمْلَة) في الكِتَابِ ..
فهذا أمرٌ غريب آخر, ألاَّ يوجد أي أثر لكلمة (جملة) في كتاب سيبويه, وكذلك العبارة (جملة مفيدة) لا أثر لها في هذا الكتاب.
ولا نعثر على كلمة (جملة) بعد سيبويه إلاَّ في كتاب (المقتضب) للمبرد, ونرجّح أن شيخه المازني استعملها هو أيضًا, وقد يكون الأخفش (سعيد بن مسعدة) تلميذ سيبويه وأستاذ المازني, هو الذي وضع المصطلح فإنه هو أول نحوي يستعمل كلمة (فائدة) بمعنى العلم المستفاد من الكلام, وهذا المفهوم يعبر عنه سيبويه بكلمة (علم) فقط وما يُشْتَقُّ منها.
إلاَّ أن هذا لا يعني طبعًا أن مفهوم الجملة لا يوجد عند سيبويه, فهو يسميها عادة (كلامًا) , وإذا دقق قال (الكلام المستغني) , وهو يحدد هذا الكلام المستغني هكذا (ما يستغني عنه السكوت).
يقول: "ما يستغني عنه السكوت وما لا يستغني ألا ترى أن (كان) تعمل عمل (ضرب) , ولو قلت (كان عبد الله) لم يكن كلامًا, ولو قلت (ضرب عبد الله) كان كلامًا".
ويقول في موضع آخر: ألا ترى أنه لم تنفذ الفعل في (كنت) إلى المفعول الذي به يستغني الكلام كاستغناء (كنت) بمفعوله, فإنما هذه في موضع الإخبار، وبها يستغني الكلام".
ويقول: "يقبح أن تقول (أشُكُّ مُنْطَلِقٌ بلغني أو عَرَفْتَ) , لأن الكلام بعد (أن) , و (إنّ) غير مستغنٍ, كما أن المبتدأ غير مستغنٍ".
ويقول أيضًا: "ألا ترى لو قلت (فيها عبد الله) حَسُنَ السكوت, وكان كلامًا مستقيمًا, كما حَسُنَ واستغنى في قولك (هذا عبد الله) ".
يريد سيبويه من (الكلام المستغني) الذي يحسن أن يسكت المتكلم عند انتهائه, لأنه قد استقل لفظًا ومعنى, وبذلك يشكل وحدة تبليغية تتم بها الفائدة للمخاطب, أي يستفيد بها علمًا معينًا.
و (السكوت) هنا أو (حُسنه) هو المقياس الذي تُعرف به الجملة المفيدة.
هذا وقد لاحظنا أن لفظة (الكلام) كافية للدلالة على مفهوم (الجملة المفيدة) عند سيبويه, وستبقى هذه اللفظة دالة على هذا المعنى حتى عند بعض المتأخرين.
وذلك مثل ما ابتدأ به ابن آجرّوم مقدمته: "الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع".
وقال ابن جني قبله بقرون: " (الكلام) كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه, نحو (زيد أخوك, وقام محمد ... وصَهْ, ومَهْ ... وأفٍ) ".
ونلاحظ أيضًا أنّ وظيفة الوحدة هي إعلام المخاطب بشيء يكون ـ بحسب ظن المتكلم ـ قد جهله.
وسيبويه يُلحّ على ذلك خلافًا لكل من جاء بعده, حيث خلطوا بين هذه الوظيفة الإعلامية وبين الدلالة على معنى, وهو شيء آخر غير الإفادة [وابن جني نفسه يقول (مفيد لمعناه) على ما اشتهر في زمانه].
وعلى هذا الأساس, فأَقَلُّ ما يَنْحَلُّ إليه الخطاب من الوحدات ذواتِ معنًى وفائدةٍ معًا, هي هذا الكلام المستغني, وعلامته صحة, أو حُسن الوقف عليه من قبل المتكلم, وهذا ما لا سبيل إلى تحقيقه في الوحدات التي هي دون الجملة مثل (كان عبد الله) , وسنرى أن هذا يقال فقط بالنسبة إلى الكلام التام غير المحذوف منه".