ويؤيد ما ذكرنا من كونها رؤيا عين يقظة قوله تعالى هنا: {لنريه من آياتنا} الآية، وقوله {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} [النجم: 17 - 18].
وما زعمه بعض أهل العلم من أن الرؤيا لا تطلق بهذا اللفظ لغة إلا على رؤيا المنام، مردود. بل التحقيق: أن لفظ الرؤيا يطلق في لغة العرب على رؤية العين يقظة أيضا. ومنه قول الراعي وهو عربي قح:
فكبر للرَّيا وهش فؤاده ... وبشَّر نفساً كان قبل يلومها
فإنه يعني رؤية صائد بعينه. ومنه أيضاً قول أبي الطيب:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض ... قاله صاحب اللسان
وزعم بعض أهل العلم: أن المراد بالرؤيا في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] الآية، رؤيا منام وأنها هي المذكورة في قوله تعالى: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله} [الفتح: 27] الآية والحق الأول.
الألوسي
والمراد بالرؤيا ما عاينه صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به من العجائب السماوية والأرضية كما أخرجه البخاري. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن ابن عباس
وهي عند كثير بمعنى الرؤية مطلقا وهما مصدر أي مثل القربى والقرابة.
وقال بعض: هي حقيقة في رؤيا المنام ورؤيا اليقظة ليلاً
والمشهور اختصاصها لغة بالمنامية وبذلك تمسك من زعم أن الإسراء كان مناما وفي الآية ما يرد عليه،
والقائلون بهذا المشهور الذاهبون إلى أنه كان يقظة كما هو الصحيح قالوا: إن التعبير بها إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا
أو جار على زعمهم كتسمية الأصنام آلهة فقد روى أن بعضهم قال له صلى الله عليه وسلم لما قص عليهم الإسراء لعله شيء رأيته في منامك
أو على التشبيه بالرؤيا لما فيها من العجائب
أو لوقوعها ليلاً
أو لسرعتها ... اهـ
أو سميت الرؤية رؤيا لشبه أمر الغيب بأَمر الرؤيا النومية فاستعير لفظ الرؤيا الرؤية استعارة تصريحية أصلية تحقيقية. (هميان الزاد وهو تفسير إباضي)
قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلاناً رؤية، ورأيته رؤيا، إِلا أن الرؤية يقلُّ استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين. (زاد المسير لابن الجوزي)
وفي تفسير ابن عطية
وسميت الرؤية في هذا التأويل «رؤيا»، إذ هما مصدران من رأى، وقال النقاش جاء ذلك على اعتقاد من اعتقد أنها منامية وإن كانت الحقيقة غير ذلك. وقالت عائشة {الرؤيا} في الإسراء رؤيا منام، وهذا قول الجمهور على خلافه، وهذه الآية تقضي بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها ...
فوائد لغوية حول لفظة رؤيا
من عمدة القاري للبدر العيني
رؤيا على وزن فعلى بالضم يقال رأى في منامه رؤيا ـ على فعلى ـ بلا تنوين وجمعه رأىً بالتنوين مثال رعى والمشهور عند أهل اللغة أن الرؤيا في النوم والرؤية في اليقظة وقد قيل إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاَّ فتنة للناس أن الرؤيا هاهنا في اليقظة وتكتب بالألف كراهة اجتماع الياءين ... وقال الزمخشري الرؤيا بمعنى الرؤية إلاَّ أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بحرف التأنيث وقال الواحدي الرؤيا مصدر كالبُشرى إلاَّ أنه لما صار اسماً لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء وقيل يجوز ترك همزها تخفيفاً.