تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما يذكر سيبويه ذلك في باب من أبواب"إنَّ" فيقول: "وتقول"لولا أنه منطلق انطلقت", فـ" أنَّ "مبنية على"لولا"كما تُبنى عليها الأسماء, وتقول "لولا أنه ذاهب لكان خيراً له", فأنَّ مبنية على "لولا" () ويعلق السيرافي على ذلك فيقول:

يريد معقودة بـ "لولا" في المعنى الذي تقتضيه و"لولا" مقدمة عليه وليست عاملة فيه لأن الاسم بعد "لولا" يرتفع بالابتداء لا بـ"لولا", ولزومها للاسم بعدها بالمعنى الذي وضعت عليه كلزوم العامل للمعمول به فشبهت به, فَفتحِت (همزة) أنَّ ولم تُكسر لأنَّ إنَّ المكسورة إنما تدخل على مبتدأ مجرد لم يغيَّر معناه بحرف قبله, كما يقول السيرافي: لم يرد بقوله " فأنَّ مبنية على لو, أنها مبنية عليها بناء الشيء على ما يحدثُ فيه معنى ولم يغيَّر لفظه, فَفَتْحُ (همزة) "أن" بعد "لو" كفتحها بعد "لولا " () "وقد استعمل سيبوية لفظ البناء في الشيء الذي ليس بعاملٍ فيما يبنى عليه, كما قال: أنَّ مبنية على لولا, وإنما ذلك على جهة تقدمها وحاجة ما بعدها إليها" ().

فالألفاظ تترتب بحسب قوة العلاقة المعنوية القائمة بينها, أو أنها تتعلق كما يقول الجرجاني ويأخذ بعضها بحجز بعض وتتحد أجزاء الكلام, ويدخل بعضها في بعض ويشتد ارتباط ثانٍ منها بأول () , بسبب التناغم الدلالي القائم بينها والمبني على قوة العلاقة المعنوية, وفي المثال المذكور, أنَّ تتعلق معنوياً "بلو"وزيداً متعلق بأنَّ وعندنا تتعلق بأنَّ ولأكرمناه" مبنية على لو لأنها جواب الشرط.

وهكذا تتعلق الألفاظ أو المباني بعضها ببعض بحسب قوة العلاقة المعنوية القائمة على أساس الرتبة. " واللغة عند الجرجاني, وكذلك عند سيبويه والسيرافي, نظام لا يقوم إلاّ على ترابط الألفاظ كعناصر في هذا النظام وفقاً لدلالاتها, وتناسقها على الوجه الذي يقتضيه العقل, وتعلُّق بعض الكلم ببعض وبناء بعضه على بعض, لأن الاعتبار عنده بمعرفة مدلول العبارة لا العبارات نفسها" (). والأساس الذي تترتب عليه المباني هو الرتبة, مما يؤدي إلى وجود النظام اللغوي وخير دليل على قوة هذا النظام الرتبة المحفوظة, التي لا تتغير رغم العدول.

وقد جاءت نظرية النظم للجرجاني بعدما ابتعدت الدراسات النحوية عن الجذور وصارت فلسفية "وهي رؤية شمولية لموضوعات النحو العربي, لا بوصفه أبواباً وفصولاً, بل بوصفه نظاماً من العلاقات هو ذاته نظام العربية كلغة, كنص, كخطاب" () , " لأن النحو العربي كما نقرأه في مرجعه الأول "الكتاب", ليس مجرد قواعد لتعليم النطق السليم والكتابة الصحيحة باللغة العربية, بل هو أكثر من ذلك "قوانين للفكر داخل هذه اللغة, وبعبارة بعض النحاة القدماء "النحو منطق العربية" (). والذي يبدو لي أن نظرية النظم ما هي إلاّ امتداد للبناء لأنه " لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض, ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك, هذا ما لا يجهله عاقل ولا يخفي على أحد من الناس.

وإذا كان كذلك فبنا أن ننظر إلى التعليق فيها والبناء, وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها ما معناه وما محصوله؟

وإذا نظرنا في ذلك علمنا أن لا محصول لها غير أن تعمد إلى اسم فتجعله فاعلاً لفعل أو مفعولاً, أو تعمد إلى اسمين فتجعل أحدهما خبراً عن الآخر, أو تتبع الاسم اسماً على أن يكون الثاني صفة للأول أو تأكيداً له أو بدلاً منه, أو تجيء باسم بعد كلامك على أن يكون صفة أو حالاً أو تمييزاً, أو تتوخى في كلام هو لإثبات معنى, أن يصير نفياً أو استفهاماً أو تمنياً, فتدخل عليه الحروف الموضوعةَ لذلك, أو تريد في فعلين أن تجعل أحدهما شرطاً في الآخر, فتجيء بهما بعد الحرف الموضوع لهذا المعنى, أو بعد اسم من الأسماء التي ضمَّنت معنى ذلك الحرف, وعلى هذا القياس, وإذا كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلاّ بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه وكان ذلك كله مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء, ومما لا يتصور أن يكون فيه ومِنْ صفته, بان بذلك أن الأمر على ما قلناه من أن اللفظ تبع للمعنى في النظم وأن الكلم تترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس () وترتيبها يخضع لضابط الرتبة. فالنظم ما هو إلا تعليق الكلم بعضه ببعض, بحسب ترتيب المعاني في النفس الإنسانية, بل إن النظم ما هو إلا تنفيذ للقوانين النحوية وللمعاني النحوية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير