ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[27 - 06 - 2005, 06:58 ص]ـ
أهلا ببديع الزمان وربيعه
سرتني مشاركتك أيما سرور، وأعجبني تحليلك لتعلق الجار والمجرور في قوله تعالى (إني لك من الناصحين) المنبني على أصول نحوية متينة، فبارك الله في علمك ونفع به .. آمين.
أخي الكريم ..
ذكرت أن الجار والمجرور (من أقصى المدينة) يجوز أن يتعلقا بالفعل (جاء) في الآيتين آية القصص وآية يس، ولكن تعليقهما بالفعل (جاء) يجعل الكلام محتملا ألا يكون الرجل من سكان أقصى المدينة، لأن مؤدى التعليق بالفعل (جاء) هو بيان جهة ابتداء المجيء، أما إن كان التعليق بصفة أو حال من (رجل) فإنه يجعل المعنى على أن الرجل كان من سكان أقصى المدينة أي: أنه كان من الحكام، كما تقول: جاءني رجل من بني تميم، أو: جاءني من بني تميم رجل، فلو علقت الجار والمجرور بالفعل جاء احتمل المعنى أن الرجل قد يكون من غير بني تميم، ولكن ابتداء مجيئه كان من جهة بني تميم، وإن علقتهما بصفة لرجل كما في المثال الأول أو حال منه كما في المثال الثاني تعين أن يكون الرجل من بني تميم.
أما تعلق الجار والمجرور (لك) بالناصحين بعده فجائز عند الكوفيين الذين يجيزون أن يعمل ما بعد الصلة فيما قبلها وهو جائز عند من يجعل (ال) الداخلة على اسم الفاعل حرف تعريف من البصريين، ولكن من حكم على الألف واللام بالاسمية وجعلهما اسما موصولا منع أن يتعلق الجار والمجرور السابق عليهما بما بعدهما، والتعليق باسم فاعل محذوف دل عليه المذكور مطرد في كل ما كان مجرورا بمن التبعيضية، كقوله تعالى (وكانوا فيه من الزاهدين) وقوله تعالى (إني لعملكما من القالين) و (إني لك من الناصحين) فالتقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، وإني قال لعملكم من القالين، وإني ناصح لك من الناصحين. وقد فصل القول في هذه المسألة ابن مالك في شرح التسهيل عند حديثه عن (ال) الموصولة.
أما هل هذه اللام في (لك) لام التقوية؟ ففيه نظر، لأن الفعل (نصح) يتعدى باللام ويتعدى بنفسه، ولم يرد في القرآن إلا معدى باللام، قال تعالى: (ونصحت لكم)، (وأنصح لكم) (وأنا لكم ناصح أمين) (وإنا له لناصحون)، فنصحت بمعنى أخلصت.
وقد ورد في الشعر متعديا بنفسه، ولكنه قليل كما نص على ذلك الفراء، فأيهما الأصل: التعدي باللام أم بغيرها؟
أم كل واحد منهما أصل أي التعدي باللام لغة بعض العرب والتعدي بغيرها لغة أخرى؟ كل ذلك جائز، وأنا أميل إلى أن التعدي باللام هو الأصل لكثرته في فصيح الكلام ولأنه لم يرد بالوجه الآخر في الذكر الحكيم. والله أعلم.
مع التحية الطيبة والتقدير.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[02 - 07 - 2005, 02:36 ص]ـ
تذييل
قال ابن هشام في المغني عن اللام المقوية:
نعم يصح في اللام المقوية أن يقال إنها متعلقة بالعامل المقوّى، نحو: (مصدقا لما معهم) و (فعّال لما يريد) , (إن كنتم للرؤيا تعبرون) لأن التحقيق أنها ليست زائدة محضة لما تخيل في العامل من الضعف الذي نزّله منزلة القاصر، ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها، فلها منزلة بين المنزلتين.
هذا لتتم الفائدة من تعليق الأستاذ بديع الزمان وفقه الله.
مع التحية الطيبة.