أول من لفت النظر إلى الثروة الهائلة التي تضمنها الوثائق العثمانية الرسمية هي الجمعية التاريخية العثمانية التي أسست في فترة ثورة سنة 1908. فقد أعلنت هذه الجمعية عند تأسيسها أن من بين أهدافها دراسة الوثائق الأرشيفية ونشرها. وقد نشر عبد الرحمن شريف أول رئيس للجمعية مقالة في مجلة الجمعية المسماة (تاريخ عثماني أنجوميني مجموعة سي) سنة 1911 حول الوثائق العثمانية أعلن فيها خطة أولية لنشر الوثائق وتصنيفها.
والوثائق والسجلات العثمانية المحفوظة في الأرشيف العثماني خاصة في مدينتي اسطنبول وأنقرة تضم نوعين أساسيين من مصادر المعلومات هما السجلات الرسمية للدولة العثمانية والوثائق؛ والسجلات كالمراسلات من السلاطين إلى الولاة والقضاة والحكام في أنحاء الدولة، والمراسلات الموجهة إلى ممثلي الدولة في البلدان المختلفة، وتضم كذلك معلومات مفصلة عن السكان والمدن والأمور المالية لها وأنواع الأراضي والأوقاف منها.
أما الوثائق فتتضمن مراسيم وقوانين ورسائل ووقفيات تتعلق بفلسطين بشكل عام وبمدينة القدس تحديداً، وللجامعة الأردنية جهد مشكور في تصوير عدد من سجلات المحكمة الشرعية في القدس وهي محفوظة في مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة، ونسخاً مصورةً لسجلات دائرة الأراضي في القدس يرجع إليها الباحثون في الدراسات المتعلقة بملكية الأراضي في المدينة المقدسة. وفي مجال تحقيق الوثائق ونشرها فإن أبرز الجهود ما قام به الدكتور كامل العسلي رحمه الله، حيث حقق ونشر عدداً من وثائق المحكمة الشرعية في القدس بالاعتماد على سجلات المحكمة وأوراق ومخطوطات بعض العائلات المقدسية.
وعدد كبير من تلك السجلات والوثائق مازال محفوظاً في متاحف الدول التي حكمها العثمانيون مثل بلغاريا ورومانيا والمجر وباقي دول البلقان ومصر وسورية والدول العربية الأخرى ويحتفظ بعدد منها أيضاً في مكتبات الأمم المتحدة.
الأرشيف العثماني وسلب فلسطين:
تكشف لنا آلاف الوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني باسطنبول الحيل التي اتبعها اليهود الأجانب بالتواطؤ مع يهود فلسطين ويهود سائر الولايات العثمانية لاغتصاب الأراضي الفلسطينية من أصحابها رغم منع الدولة بيع العقارات لليهود الأجانب، ومنعها لهم من الاستقرار فيها بأي شكل من الأشكال.
ومن خلال هذه الوثائق يتبين لنا أن الأساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال الصهيوني أساس غير قانوني أصلاً لأن الأراضي التي أقيم عليها ذلك الكيان قد اغتصبت من أصحابها الشرعيين بطرق غير قانونية، والوثائق العثمانية الموجودة في الأرشيف العثماني تثبت ملكية الفلسطينيين لأراضيهم وديارهم التي أخرجوا منها.
ومع أهمية هذه الوثائق يشتكي "كمال خوجة" الخبير المتخصص في أرشيف الدولة العثمانية – في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط - من قلة اهتمام العالم العربي بترجمة الوثائق التي تخصه والموجودة في الأرشيف العثماني، موضحاً أن هناك نحو 100 مليون وثيقة تخص المنطقة العربية من بين 250 مليون وثيقة تكون الأرشيف العثماني، مشيراً إلى أن أكثر الوثائق إثارة للاهتمام تلك المتعلقة بمنطقة الحجاز والبصرة ومصر وبلاد الشام.
وبسؤاله عن ماهية أكثر الوثائق في الأرشيف العثماني التي تفاجئ العرب بأشياء لا يعرفونها، أو الأكثر إثارة للاهتمام؟ أجاب "خوجة ": " أكثر الوثائق التي تقع في هذا الإطار، الوثائق المتعلقة بفلسطين، ووثائق أخرى أيضاً متعلقة بتاريخ الحجاز والبصرة والحركة القومية العربية. ففي بعض كتب التاريخ العربي التي تعتمد في مصادرها على الوثائق الغربية تكرار لفكرة أن العثمانيين فرطوا في أراضي فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني نفسه باع أراضيه تحت الحكم العثماني. وهذا الادعاء تكذبه الوثائق التاريخية المتاحة لنا. وأعني بالوثائق المراسلات بين الولاة والسلطان العثماني. فكلها تظهر أن الدولة العثمانية لم تقم ببيع أراضي الفلسطينيين، بل كانت شديدة الحرص عليها، ومنعت منعاً باتاً بيع أي أراض لليهود، بل وحتى منعت إسكان اليهود في فلسطين، فبعدما كان مسموحاً لليهود بالزيارة لمدة شهر أو شهرين منعت الدولة العثمانية ذلك ".
الدعم اليهودي للباحثين في الأرشيف العثماني:
¥