وأما الحطيئة فسئل: من أشعر الناس؟ فقال: أبو دؤاد حيث يقول:
لا أعد الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
وهو وإن كان فحلا قديما، وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه، ويروي شعره، فلم يقل فيه أحد من النقاد مقالة الحطيئة.
وسأله ابن عباس مرة أخرى فقال: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
وليس الذي يقول:
ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب؟
ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا، والله لولا الجشع لكنت أشعر الماضين، وأما الباقون فلا شك أني أشعرهم، قال ابن عباس: كذلك أنت يا أبا مليكة.
زعم ابن أبي الخطاب أن أبا عمرو يقول: أشعر الناس أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وطرفة، ومهلهل، قال: وقال المفضل: سئل الفرزدق فقال: امرؤ القيس أشعر الناس وقال جرير: النابغة أشعر الناس، وقال الأخطل: الأعشى أشعر الناس، وقال ابن أحمر: زهير أشعر الناس، وقال ذو الرمة: لبيد أشعر الناس، وقال نضر بن شميل: طرفة أشعر الناس، وقال الكميت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس، وهذا يدلك على اختلاف الأهواء وقلة الاتفاق.
وكان ابن أبي إسحاق، وهو عالم ناقد، ومقدم مشهور، يقول: أشعر الجاهلية مرقش الأكبر. وأشعر الإسلاميين كثير، وهذا غلو مفرط، غير أنهم مجمعون على أنه أول من أطال المدح.
وسأل عبد الملك بن مروان الأخطل: من أشعر الناس؟ فقال: العبد العجلاني، يعني ابن مقبل، قال: بم ذاك؟ قال: وجدته في بطحاء الشعر والشعراء على الجرفين، قال: أعرف له ذلك كرها! وقيل لنصيب مرة: من أشعر العرب؟ فقال: أخو تميم؛ يعني علقمة بن عبدة، وقيل: أوس بن حجر.
وليس لأحد من الشعراء بعد امرئ القيس ما لزهير والنابغة والأعشى في النفوس، والذي أتت به الرواية عن يونس بن حبيب الضبي النحوي أن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرا والنابغة، وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدا؛ كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا.
ثم قال محمد بن سلام يرفعه عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشدني لأشعر شعرائكم، قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير، قلت: وكان كذلك؟ قال: كان لا يعاظل بين الكلام ولا يتبع حوشية، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه.
ثم قال ابن سلام: قال أهل النظر: كان زهير أحصفهم شعرا، وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من المنطق، وأما النابغة؛ فقال من يحتج له: كان أحسنهم ديباجة شعر، وأكثرهم رونق كلام؛ وأجزلهم بيتا؛ كان شعره كلاما ليس فيه تكلف، وزعم أصحاب الأعشى أنه أكثرهم عروضا، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة؛ مدحا وهجاء وفخرا وصفة، وقال بعض متقدمي العلماء: الأعشى أشعر الأربعة، قيل له: فأين الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأ القيس بيده لواء الشعر؟ فقال: بهذا الخبر صح للأعشى ما قلت، وذلك أنه ما من حامل لواء إلا على أمير، فامرؤ القيس حامل اللواء والأعشى الأمير.
وسئل حسان بن ثابت رضي الله عنه من أشعر الناس؟ فقال: أراحلا أم حيا؟ قيل: بل حيا؛ قال: أشعر الناس حيا هذيل، قال محمد بن سلام الجمحي: وأشعر هذيل أبو ذؤيب غير مدافع، وحكى الجمحي قال: أخبرني عمرو بن معاذ المعري قال: في التوراة مكتوب أبو ذؤيب مؤلف زورا، وكان اسم الشاعر بالسريانية مؤلف زورا، فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربية، وهو كثير بن إسحاق فأعجب منه، وقال: بلغني ذلك.
وقال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الشعراء ألسنا وأعربهم أهل السروات؛ وهن ثلاث، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن؛ فأولها هذيل؛ وهي تلي الرمل من تهامة؛ ثم عليه السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سراة الأزد، أزد شنوءة وهم بنو الحارث بن كعب بن الحارث بن نصر بن الأزد.
وقال أبو عمرو أيضا: أفصح الناس عليا تميم وسفلى قيس. وقال أبو زيد: أفصح الناس سافلة العالية، وعالية السافلة، يعني عجز هوازن وأهل العالية أهل المدينة ومن حولها ومن يليها ودنا منها، ولغتهم ليست بتلك عنده.
¥