القرطبية. "وتوجد هذه الرسالة في الاسكوريال المخطوطة المذكورة أعلاه (ورقة 104 - 105ب). وجهد الكاتب نفسه في الدفاع عن البطليوسي ضد التهم التي ألصقت به: ويرى أن على (صاحب المقامة القرطبية أن يتبين مثالبه قبل أن يبين مثالب غيره ... " (ورقة 104 ب).
وتتضمن مخطوطة الاسكوريال ذاتها (ورقة 116 ب –117 ب) رداً آخر على هذه المقامة هو رد أبي الحسن المرسي الذي كتب مقامة تعد مثالاً رائعاً للنثر الطنان والمفعم بالبلاغة والبيان. ويعد هذا العمل أقرب في شكله إلى الرسالة الأدبية منه إلى المقامة لافتقاره لأكثر معالم المقامة وضوحاً: تعقيدات الأسلوب والبطلين المألوفين.
لقد هيأ هذا العمل وغيره مما كتب في الوقت ذاته الركن الأكبر الذي كان على المقامة أن تحتله في ميدان الأدب الأندلسي. ونتيجة لذلك يمكن القول أن المقامة الأندلسية الجديدة، مع كونها تنتمي فعلاً إلى هذا اللون الأدبي، تتسم بصفات مشتركة مع فن الرسالة، مما أدى إلى استعمالها لخدمة أغراض أدبية عديدة متنوعة. وهكذا استخدمه الأندلسيون في المدح والرثاء والذم والغزل ووصف المدن.
وتعد مقامات عديدة من هذا النمط الجديد مصادر هامة لجغرافية الأندلس وشمالي أفريقية. وخير أمثلة على هذا النمط ما جاء في مقامات لسان الدين بن الخطيب العديدة والتي عرفت بـ "معيار الاختبار في أحوال المعابد والديار" (12).
كما استخدم الأندلسيون المقامة وسيطاً لوصف الإدارة العامة والعدالة، ومثال ذلك مقالة كتبها ابن الخطيب ذاته، عنوانها "خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف" (13).
واستخدمت المقامة كذلك لأغراض تعليمية وتربوية كما هو حال المقامة النخيلة (14) للقاضي أبي الحسن النباهي المالقي (15) (المتوفى في نهاية القرن الثامن الهجري) وقد استخدم المقامة وسيلة لتعليم الأدب والقواعد ليوفر على التلاميذ مشقة الرجوع إلى مؤلفات أكبر في هذه المواضيع.
-المقامات اللزومية:
ربما كانت المقامات اللزومية من أهم ما أنتج في الأندلس في ميدان هذا اللون الأدبي. ولقد حُفظت في مخطوطات عديدة قيمة أقدمها وأكثرها موثوقية، على ما يبدو، هي مخطوطة الفاتيكان (عربي 372) (16).
وقدم لنص هذه المخطوطة بما يلي: "ألف هذه المقامات الخمسين أبو طاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي (المتوفى عام 538هـ.) في قرطبة إحدى مدن الأندلس (نتيجة لقراءة مؤلفات أبي محمد الحريري البصروي الأكبر) وأدت إلى إتعاب ذهن المؤلف واستلاب النوم من عينيه. إن مواظبته على إنشاء النثر والشعر لهذه المقامات لا تضاهى فوصل بها إلى ذروة الإتقان والكمال".
(ورقة 4 آ). أما التعليق الختامي فكان كالآتي: "لقد أنجزت المقامات اللزومية للتميمي يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب من عام 650هـ. نسخها صالح بن محمود بن فايق" (ورقة 222 ب).
ومن الملاحظ أن المؤلف لم يعط كل مقامة عنواناً متميزاً كما فعل بديع الزمان والحريري. إذ كان بعضها يسمى باسم نوع السجع الذي يغلب عليها، وهكذا سميت المقامة السادسة عشرة (ورقة 72 آ- 76 آ) بالمقامة المثلثة، والسابعة عشرة (ورقة 76 - 81آ) بالمرصعة، والثامنة عشرة (ورقة 81 آ- 85آ) بالمدّبجة. أما المقامات الأُخر التي لها عناوين فهي: 7 (ورقة 25 آ- 32 آ) "البحرية"؛ 26 (ورقة 105 آ – 114 آ) "النجومية"؛ 28 (ورقة 120 ب – 124 ب) "الحمقاء"، 30 (ورقة 128 آ- 140 آ) "مقامة الشعراء"؛ 41 (ورقة 170 ب- 174 آ) "مقامة الدُّب"
42 (ورقة 174 آ- 178 ب) "الفرسية"؛
43 (ورقة 178 ب – 182 ب) "الحمامية"؛
44 (ورقة 182 ب – 191 آ) "العنقاوية"؛
45 (ورقة 191 آ – 195 ب) "الأسدية".
أما بالنسبة للمقامات ذات الأرقام 32 - 40 (ورقة 145 آ – 170 آ) فقد استخدم السرقسطي نمطاً خاصاً من السجع، ورتب المقامات حسب النظام الأبجدي، ولهذا السبب نراها تحمل أسماء حسب حرف القافية فيها، مثل "الهمزية" و "البائية" و "الجيمية" و "الداليَّة" و "النونية" ... الخ.
ويدعى بطلا هذه المقامات: السائب بن تمام (ويعرف كذلك باسم أبي الغمر) وأبا حبيب، وهو عجوز ماكر من عُمان.
¥